إبراهيم العلوش
رئيس “مجلس الشعب” الكوري الشمالي، كيم يونغ يام، يزور إيران هذه الأيام، ولمدة عشرة أيام، يتفقد فيها محور الشر والممانعة، في الوقت الذي أنجز فيه بشار الأسد مع حسن نصر الله الاتفاق التاريخي مع أبو بكر البغدادي، ونقلا عصابات داعش على أكف الراحة لتسهم بالمزيد من التدمير لكل الأنحاء السورية التي رفضت الاستبداد. وفي الموسيقى التصويرية لهذه المشاهد يأتي هدير الطائرات الروسية- البوتينية التي تدمر ما استعصى على جيش الأسد والميليشيات الطائفية الإيرانية والمحلية في الأراضي السورية. هذا المحور الذي يدّعي النصر اليوم لن يكون مصيره أفضل من مصير داعش، حليفتهم وعشيقتهم السرية، لأنه محور معاد للحياة وللحرية، ولا يحمل في طياته إلا قيم العبودية والإذلال والارتهان للمافيات وللمخابرات وأجهزة التعذيب. ولا نصف هذا المحور بمحور الشر فقط لأن الأمريكيين بدأوا بهذه التسمية، بل لأن هذا المحور دمر بلادنا ومايزال مستمرًا بالتدمير.
في سبعينيات القرن الفائت وعندما شاهد حافظ الأسد الكوريين الشماليين يركعون لرئيسهم (كيم ايل سونغ) جدّ الرئيس الحالي، ويقدسونه، خاطب وزير إعلامه آنذاك، أحمد إسكندر أحمد: هذا هو النصر!
ولم يكذّب الوزير الهمام الخبر وبدأ بتحقيق حلم الأب القائد بالهيمنة على الدولة والمجتمع، وتكريس عبادة الطاغية، اعتبارًا من السيطرة على الثقافة والسياسة والدين والحياة العامة وانتهاءً برهن البلاد لعائلته ولشبيحته. ولاحقًا جرب إعلام الأسد الركوع للأب القائد، في مشهد شهير لمجموعة من الراقصين والراقصات بثه التلفزيون السوري، فأثار استنكارًا شديدًا وتنديدًا من كافة الأوساط السورية العامة، رغم هيمنة المخابرات على كل مقدرات الحياة في نهاية الثمانينيات بعد مجازر حماة، وحلب، وجسر الشغور.
ومنذ سبعينيات القرن السابق انتشرت في دمشق وفي سائر المدن السورية، كتب كيم ايل سونغ في المكتبات وعلى البسطات، وهي تشرح كيفية عبادة القائد وبمختلف اللغات، وكأنما القائد التاريخي الفذ لم يكن يحتمل تأخير وصول أفكاره إلى كل زاوية من زوايا العالم، وكانت سوريا من أكثر الدول ترويجًا له ولعبقريته، واستقت منه منظمة طلائع البعث وتركيبة “مجلس الشعب”، التي ماتزال تحمل نفس التسمية الكورية، واتحاد الكتاب العرب الذي استولت عليه إيران، واتحاد شبيبة الثورة، وغيرها من التنظيمات التي مهدت لهذا الخراب والتدمير الهائل.
ازدهرت تجارة “كيم ايل سونغ” وخطاباته التاريخية، فقد أنتجت استمرار عائلته المستبدة للجيل الثالث، وتبنتها عائلة الأسد الأكثر إجرامًا، حيث استطاع بشار الأسد انتزاع اهتمام العالم بوحشيته، وصارت صورته وريثة لصورة هتلر، وشعارًا للمنظمات العنصرية في كل العالم، وانتزع اعتراف العالم بإرهابه، وشرعنه على اعتبار أنه أهون من إرهاب داعش، التي صنعها هو والإيرانيون والروس، حلفاؤه وشركاؤه في تدمير الوطن السوري وتهجير أهله.
“كيم جونغ أون” الحفيد، والرئيس الحالي لكوريا الشمالية، يكاد يتسبب اليوم بحرب نووية عالمية مع كوريا الجنوبية واليابان وأمريكا، بدعم روسي وصيني من وراء الستار، فهو غاضب بسبب رضا العالم وقبوله بتأهيل بشار الأسد، بينما هو مايزال مرفوضًا في الأوساط الدولية، رغم أنه لم يهجّر الكوريين، ولم يقصفهم بالبراميل، ولا استورد ضدهم ميليشيات طائفية، ولا تنظيمات داعشية، لتهجيرهم، ولتدمير بيوتهم، وقد لا يأتي رئيس مجلس الشعب الكوري الشمالي لزيارة أشقائه في “مجلس الشعب” السوري، ويكتفي بزيارته لإيران، لأن نظام بيونغ يانغ يشعر بالتقصير، وربما بالعار، أمام الإنجازات الوحشية لنظام بشار الأسد وشبيحته.
الجزائريون قبل أكثر من نصف قرن ضحوا بمليون شهيد من أجل أن ينالوا استقلالهم، والحفاظ على هويتهم الحضارية، والتاريخية، وإرادتهم في التحكم ببلادهم، رغم صعوبات هذا التحكم، وعقباته الكثيرة، والسوريون اليوم ضحوا بمليون شهيد وجريح، وتدمرت سوريا فوق رؤوس الكثير منهم، وشاهدوا مدنهم وقراهم تتطاير تحت القصف الأسدي، والروسي، والتخريب الإيراني، وهم لم يستسلموا لكل التهم التي أُلحقت بهم من خونة، وإرهابيين، وعملاء للسفارات، وعملاء للخليج وأمرائه، وعملاء لأردوغان والدولة العثمانية.
السوريون لم يضحوا بأبنائهم إلا من أجل أن يكون لهم مكان في العالم المتحضر، وأن ينالوا العيش الكريم. ومثلما تغلبت إيطاليا على الفاشية وألمانيا على النازية، سيتغلب السوريون، ولو بعد حين، على هذه الطغمة الفاشية، وكما أعادت ألمانيا وإيطاليا بناء الدولة والمجتمع وأثبتوا عبقرية اقتصادية وعلمية وحضارية، سيقوم السوريون بإعادة بناء سوريا على أكمل وجه.
الطاقات السورية كبيرة ومتراكمة، ولدى الشعب السوري ميزات مهمة، مثل إرادة السلام، وقبول الآخر، والاعتدال، والتنوع، وهي تنسجم مع متطلبات بناء المجتمع العصري، ولن تكون سوريا، رغم كل جراحها وتضحياتها، مجرد مستنقع للاستبداد وللسلفيات الدينية والطائفية، التي يرعاها محور الشر والممانعة، بالتعاون مع الروس، وبإشراف مسخ كوريا الشمالية “كيم جونغ أون” زميل بشار الأسد وأخوه في وراثة الاستبداد.