إستفتاء كردستان..وطبول الحرب
الزعيم الكردي مسعود البارزاني يقول ان قرار الاستفتاء على تقرير المصير في إقليم كردستان العراق بعد 3 اسابيع يعود إلى السكان هناك، وأنهم أدرى بمصلحتهم. هذا ما سيقوله لنا صالح مسلم في سوريا ايضا بعد عام على الاكثر . أما الذي تقوله دساتير دول المنطقة وشعوبها ومحاولة تغيير بنيتها الجغرافية وتوزيعها العرقي والديني واللغوي فهو غير مهم .
حلم كردستان الكبرى غرسة في عقول وقلوب اكراد المنطقة . كان خيالا قبل عقود فاصبح اكثر من حقيقة اليوم . المشكلة كانت المنفذ البحري لهذه الدولة ويبدو انها سويت بالتفاهم مع الادارة الاميركية عبر التمدد والانتشار الاخير لدمج شمال غرب سوريا بالمشروع ومنح الكيان الكردي نافذة على المتوسط تغنيها عن الخدمات التركية والسورية والعراقية وتحقق لها تكريس نفوذها الاستراتيجي الاقليمي المستقل الجديد .
سيناريو شمال العراق يتكرر في شمال سوريا وهي مسالة معروفة لدى الجميع اليوم . اعتراض ومماطلة الادارة الاميركية على الخطط التركية في شمال سوريا مثل المنطقة الامنة التي طرحتها انقرة قبل اعوام سببه فتح الطريق امام انجاز بناء الكانتونات الكردية ثم تجميعها ودمجها في اطار كيان كردي مستقل . انزعاج واشنطن من السياسات التركية ترجمه البارزاني وصالح مسلم اكثر من مرة بدعوة انقرة للهدوء والتعقل وعدم القلق لأن المخاوف التركية لا مبرر لها فالهدف هو فقط ترتيب شؤون البيتين السوري والعراقي الداخلية لكن النتيجة هي مخيبة للامال التركية في الرهان على ربيع اقليمي فجر ولادة الدولة الكردية على حساب التفتيت والتدمير وسحق الهويات .
لن يكون سهلا على تركيا تجنب ارتدادات تسونامي الاستفتاء الكردي في الانفصال عن العراق . لكن الحقيقة التي لا مفر منها هي ان انقرة تستعد لعاصفة اخرى لا تقل خطورة مصدرها شمال سوريا هذه المرة . البذور التي زرعها اكراد شمال العراق منذ عام 1970 كبرت وحان وقت الحصاد كما يقولون ، اما اكراد سوريا فيريدون اختصار المسافة والوقت والجهد مستغلين الظروف المحلية والاقليمية ليفرضوا ما يريدونه على شركائهم المفترضين في سوريا وكذلك على قوى المنطقة ولاعبيها المحليين والاقليميين .
ابرز ما جنته اميركا في حربي الخليج الاولى والثانية كان صناعة مشهد سياسي ودستوري جديد في العراق فتح الطريق نحو دستور عام 2005 ثم دستور كردستان العراقية عام 2007 اللذين مهدا لتفتيت وتقسيم البلاد على هذا النحو . انقرة تدفع ثمن عدم التحاقها بالحرب في العراق عام 2003 كما كان يريد رجب طيب اردوغان فخذله حزبه يومها . منذ عام 2015 ومعركة كوباني – عين العرب الكردية ضد داعش وحتى اليوم استطاعت الادارة الاميركية بناء 17 قاعدة عسكرية باحجام ومهام مختلفة في شمال وشرق سوريا . الهدف المعلن هو التخلص من داعش لكن الهدفين الاساسيين غير المعلنين هما فتح الطريق امام حالة كردية مشابهة للوضع في شمال العراق تشمل المساحة القادرة على الوصول اليها في شرق سوريا بين الرقة والحسكة ودير الزور جنبا الى جنب مع كانتونات الشمال والاشراف الاميركي المباشر على استخراج وتصدير نفط البلدين عبر الممر الكردي الذي سيجمع شمالي العراق وسوريا وايصاله الى منفذ المتوسط دون منة تركيا . البيت الابيض لا يهمه كثيرا شكل النظامين الكرديين في سوريا والعراق ماركسي يساري او قومي كردي محافظ ، بل من مصلحته ربما تباعدهما وتصادمهما الدائم ليتمكن من الامساك بالورقتين معا . اربيل ومن يقف من ورائها اعلنوا الحرب على انقرة وردة الفعل التركية في مواثيق لوزان التاريخية حول الموصل وكركوك او عمليات مثل ” درع الفرات ” او سيفه قد لا تكفي لتعطيل المشروع .
تركيا تراهن على”صحوة “عربية والكثير من الدول العربية تتطلع صوب اضعاف الصعود الاقليمي التركي والايراني حتى ولو كان الثمن يدفعه الاكراد في العراق وسوريا ، اما طهران فهي مطمئنة لناحية ان اكرادها ما زالوا في بداية الطريق وانهم الابعد عن حلم الاستقلال والانفصال .
اربيل تهدد بغداد نفسها ان اي تحرك تصعيدي لعرقلة الاستفتاء ستدفع ثمنه باهظا . كركوك جزء من الاستفتاء فهي كردية كما يقول مسعود البارزاني غير عابىء باسباب الدخول العسكري التركي الى بعشيقة وتأزم العلاقات التركية العراقية بسبب تركمان المدينة الذين اصرت تركيا على حماية وجودهم وحصتهم ونفوذهم فلم يعبأ الزعيم الكردي بكل ئلك .
هناك من يرى في انقرة ان انفصال كردستان قد يؤدي إلى خسائر تركية كبيرة على المستوى الاقتصادي، وان انقرة ستفقد طريق صادراتها المباشر نحو العراق، وعبره الى الخليج . فما الذي ستختاره ؟ الاستمرار في فتح الابواب على وسعها تجاريا واقتصاديا امام الاقليم والتمسك بمصالحها التجارية مع حكومة البارزاني وضمانة تصدير نفط كركوك عبر اراضيها وبالتالي اغضاب بغداد على حساب ارضاء اربيل كما فعلت في السنوات الاخيرة، ام العمل على انقاذ وحدة العراق عبر التعاون والتنسيق مع الحكومة المركزية في بغداد ؟
لا احد يتوقف عند مشروعية ما تقوم به اربيل قانونيا وسياسيا وهذا يعني ان عقبة الاعتراف الدولي بتغيير الخرائط في سوريا والعراق قد سويت مسبقا عبر مساومات وتفاهمات اقليمية ودولية .
اكراد المنطقة تعبوا من الوعود والانتظار لكن مشروعهم في الرد لا يمكن ان يكون انتقاميا تفتيتيا على هذا النحو . مجلس مدينة كركوك يقرر الالتحاق بالاستفتاء وسط مقاطعة عربية تركمانية. من قرر انزال علم الدولة ورفع علم الاقليم مكانه في كركوك ؟ الا يعتبر ذلك جريمة يعاقب عليها القانون ؟ كيف سيرد الشعب العراقي على هذه القرصنة الدستورية والسياسية في كركوك ؟ اي مجلس محلي ؟ اية صلاحيات للالتحاق باستفتاء من هذا النوع ؟ اي شعور بالمواطنة والولاء هو ؟ لا بل اي ابتزاز ان نقول ” نؤجل الاستفتاء شرط توقيع تعهد مكتوب بموعد اخر وضمانات بقبول النتيجة والالتزام بتنفيذها ” ؟
الاقليم ذاهب إلى الاستفتاء، لكن قرار منعه وتعطيله دستوريا وسياسيا وقانونيا هو بيد بغداد فهل ستفرّط بهذه الفرصة ؟ تردد الحكومة العراقية يعني انها وبتجاهل خطوة من هذا النوع تعرض ليس فقط امن العراق ووحدته للخطر بل امن دول الجوار العراقي للتهديد وتحديدا تركيا وايران وتطلق يدهما للتدخل المباشر باتجاه منع مشروع بناء كيانات عرقية تقسيمية تهدد امنهما القومي ومصالحهما الاقليمية .
عدم قيام انقرة وطهران المعترضتين على الاستفتاء بتحرك سياسي ودبلوماسي عاجل يحملهما المسؤولية المباشرة عما سيناقش داخل اراضيهما خلال الاعوام المقبلة من حالات ونماذج مشابهة لا يمكن تجاهلها بعد الان . الرد التركي والايراني لا يمكن سوى ان يكون حاسما الى جانب بغداد اذا ما قررت التحرك ولا بد ان يكون الرد ايضا بحجم استهداف وحدة العراق وسوريا على هذا النحو . التغني بالفدرالية والمطالبة بها والدفاع عنها شيىء ومحاولة فرضها من قبل الاقلية على الاكثرية بقوة الاخرين دون التفاهم مع بقية كيانات الدولة وشرائحها الاساسية شيىء اخر .
لا خيارات كثيرة امام انقرة وطهران سوى الرد بما يملكان من وسائل وطرق واساليب حتى ولو كان الثمن مكلفا كما تلوح اربيل بذلك وتطلب الدخول في ازمة مواجهة مباشرة مع واشنطن واسرائيل .انقرة وطهران تعرفان جيدا ان مرحلة ما بعد 25 ايلول ستكون اسهل بكثير على اربيل مما قبلها. الاستقلال والاعتراف بالكيان الكردي المستقل سيكون ابسط من قرار ومرحلة الذهاب الى الاستفتاء فاميركا واسرائيل جاهزتان لتقديم الخدمات اللامتناهية بهذا الخصوص بعد قرار الانفصال الكردي عن العراق .
وزير الخارجية التركي مولود شاووش أوغلو، يحذر من حرب أهلية في المنطقة في حال استمرار قيادة إقليم كردستان في مشروعها الانفصالي ، فهل يعني ذلك ان تركيا وايران لن تترددا اكثر من ذلك في التحرك خصوصا وان هناك من وراء الستار من يشجع اربيل في صفوف بعض العرب على المضي حتى النهاية في عنادها لتصفية حساباته الخاصة مع انقرة وطهران. ما معنى ان لا تتحرك جامعة الدول العربية حتى الان لايقاف تفكيك دولة عربية اخرى لها ثقلها ووزنها الاقليمي البارز .
بارزاني الذي يقول لدولت بهشلي القيادي القومي التركي المتشدد وحليف اردوغان اليوم والذي وصف قرار الاستفتاء باعلان حرب على تركيا ” كركوك مدينة كردستانية، هويتها هوية كردستانية، ومستعدون أن نجعل منها نموذجاً يحتذى به في التعايش القومي والديني والمذهبي وغير ذلك أي قوة تفكر في أن تسترد كركوك بالقوة سيواجهها كل شعب كردستان المستعد للموت إلى آخر شخص للدفاع عنها ” .
المفوضية العليا للانتخابات والاستفتاء في إقليم كردستان، اعلنت أن 5 ملايين ونصف المليون شخص يحق لهم الإدلاء بأصواتهم في استفتاء الاستقلال المقرر إجراؤه في الإقليم وكركوك ومناطق بمحافظة نينوى. ودعت المراقبين الدوليين والمنظمات المدنية للإسراع في تقديم لوائح ممثليها في مراقبة نزاهة الاستفتاء لكن احدا لا يتحدث عن نزاهة وقانونية وصوابية قرار الاستفتاء بحد ذاته .
المثل الشعبي يقول أن الخشب لا قيمة له امام الذهب، لكنه هو الاثمن لحظة مواجهة الغرق .
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :