جريدة عنب بلدي – العدد الثامن عشر – الأحد – 3-6-2012
شكلت المجزرة الوحشية التي ارتكبتها القوات الأسدية بحق المدنيين العزل في منطقة الحولة بريف حمص والتي راح ضحيتها 117 شهيدًا نصفهم من الأطفال الذين قضوا إما بالقصف المدفعي العنيف على المنازل أو ذبحًا بالسكاكين نقطة الفصل في مسار الثورة السورية، مجزرةٌ ألهبت المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان بفظاعتها ودناءة الطريقة الإجرامية التي ارتكبت فيها وبوجود بعثة المراقبين الدوليين الذين وثقوا ما جرى وأرسلوا الصور والأدلة للأمم المتحدة، وكانت هذه الأدلة غير قابلةٍ لطعنٍ أو ردٍ ولا يشوبها ش
وأعقب المجزرة إدانةٌ واستنكارٌ شديدين وتحركٌ غيرُ مسبوقٍ من دول العالم التي كانت ردة فعلها الأولية طرد سفراء ودبلوماسيي النظام من أكثر من عشر عواصم أوروبية وأجنبية بدأتها استراليا مرورا بأوربا ولن تنتهي في اليابان. وكان هذا الإجراء خطوةً في طريق عزل الأسد ونظامه دوليًا وممارسة المزيد من الضغوط على الحكومة السورية لوقف شلال الدم السوري.
ثم تلا عزلُ السفراء السوريين، عقدَ اجتماعٍ طارئٍ لمجلس حقوق الإنسان أدانت خلاله الدول فظاعة ووحشية الجريمة ووجهت أصابع الاتهام للحكومة السورية التي ما فتئت تحاول النأي بنفسها عما جرى. وقدم المجلس مشروع قرارٍ يدين الحكومة السورية وطالب برفع ملف مجزرة الحولة لمحكمة الجنايات الدولية كما دعا لفتح تحقيقٍ مستقلٍ في المجزرة، الأمر الذي لم تقبله حكومة الأسد، التي أعربت على لسان المتحدث باسم خارجيتها جهاد مقدسي أنه ليس ثمة داعٍ لوجود لجنة تحقيقٍ دوليةٍ طالما أن الحكومة السورية «الموقرة» قد شكلت لجنة تحقيقٍ عدليةٍ وجنائيةٍ «عادلةٍ ونزيهةٍ»!!
وعبرت منظمة آفاز الحقوقية بالقول أن طرد السفراء وممارسة المزيد من الضغوط على الحكومة السورية أمرٌ جيدٌ ولكن المطلوب وجود آلياتٍ حقيقيةٍ على الأرض لتفعيل عمل المراقبين. كما طالبت بزيادة عدد المراقبين إلى 3000 مراقب يتوزعون في كافة المحافظات السورية حتى يتمكنوا من توثيق الانتهاكات. وحمّلت نافي بيلاي رئيسةُ مجلس حقوق الإنسان الحكومةَ السورية مسؤولية المجزرة. من جهتها، نفت الحكومة السورية أية علاقةٍ تربطها بالمجزرة وتذرعت بحججٍ واهيةٍ تضرب جميعها على وتر الطائفية، فلجنة التحقيق التي شكلتها الحكومة «الموقرة» أعلنت نتائج التحقيق بعد يومٍ من تشكيلها وفي مؤتمرٍ صحفيٍ متهمةً العصابات المسلحة، وبعد سويعات بات المتهم «الجماعات الإسلامية»، وبنهاية اليوم أصبح أهالي الحولة أنفسهم المتهمون!! ونفت اللجنة أي وجود لدبابات وآليات النظام في الحولة… وما حاجة النظام للدبابات والقصف المدفعي ينهال على الحولة من حي الوعر ومن المشفى العسكري بالتحديد ليطال الحولة التي تبعد عنها عشرين كيلو مترًا فقط..
ورغم تزايد الإدانات والاتهامات الدولية لنظام الأسد، والاستنكار الواسع للانتهاكات الوحشية التي ترتكبها عصاباته ونفي الحكومة السورية لعلاقتها بمجزرة الحولة أو مرتكبيها، تجدد القصف على منطقة الحولة بالتزامن مع اشتداد لهيب الثورة في الداخل احتجاجًا على استمرار المجازر التي يرتكبها النظام في حمص وحماة وريف حلب وريف دمشق. وكأن النظام قد بات كمن يحاول أن يطفئ نور الشمس بغربال، فما كان منه بعد أن افتضح أمره إلا أن يستمر بمجزرته وارتكاب مجازر أخرى ليطفئ بركان الثورة ويُسكت أصوات الاحتجاج الدولي التي تتصاعد حدةً وشدةومع تزايد الاتصالات والمشاورات بين الدول لإيجاد حلولٍ لعزل الأسد وإنهاء حكمه الجائر بطريقة سلمية عبر حلٍ سياسي يعتمد النموذج اليمني لم تخلُ دعوات البعض مثل فرنسا وبلجيكا من طرح خيار اتخاذ حلولٍ عسكرية تحت مظلة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وربما خارجها..
وما ارتكاب الأسد لمجزرة الحولة وإنكارها ثم معاودة قصفها على رؤوس الأشهاد ناهيك عن ارتكاب المزيد من المجازر والانتهاكات إلا دليل على ضعف مواقف الأسد داخليًا ودوليًا، وإشارة إلى أن الأسد قد أُسقط في يده وما هذه الوحشية إلا محاولاتٌ أخيرةٌ للغريق الذي يتعلق بقشة.. !!