حين يتفوق بشار الأسد على النصر البيروسي
مع احتدام المعارك في بعض دول المنطقة العربية، يتناقل الناس أحاديث تشير إلى انتصار طرف ما على حساب آخر، في الحروب التي نشبت إثر ثورات الربيع العربي بين قوات معارضة وقوات الأنظمة الديكتاتورية.
وربما يكون من أفضل ما نغفله في هذه الظروف هو بعض التصنيفات التاريخية للانتصارات. ومع نسبة الدمار التي أتلفت معظم البنية التحتية للدول التي شهدت ثورات، مثل سوريا، لابد من تذكر مصطلح “النصر البيروسي”، الذي يوشك بشار الأسد على تحقيقه، بدعم وترحيب دولي.
النصر ورطة الطامعين
تعود جذور هذا النوع من النصر إلى العام 280 قبل الميلاد، حين تجرأ أسطول القوة الرومانية الصاعدة على دخول ميناء إغريقي يدعى “بينيغنتوم”، تابع لإسبارطة، ذات الشهرة الحربية الواسعة، فكان الرد بإغراق الأسطول، وقتل قائده ليكون عبرة.
ارتعبت روما مما جرى، وفي محاولة منها لاستدراك خطأها قدمت اعتذاراتها وطلبت الصفح، إلا أن مستعمرة “بينيغنتوم” الغنية أخذتها نشوة التدمير، ورفضت أي سبيل للحوار، ولأنها لا تملك جيشًا، فقد جندت قائدًا عسكريًا بارعًا، سليل الاسكندر المقدوني، الذي احتل العالم القديم وكاد أن يسيطر على الصين، إنه بيروس.
وهكذا غزى بيروس الأراضي الإيطالية طامعًا بالسيطرة عليها، والتوسع نحو البحر المتوسط حيث تزيد فرصه بأن يكون الامبراطور الجديد الذي ستتبع له المدن حول العالم.
في مصيدة الهزيمة
دخل بيروس معركته الأولى ضد الرومان في هيراقليا، قائدًا لـ 25 ألف مقاتل مزوّدين بسلاح الفيلة الفتاك والنوعي، بعدما تعلموا استخدامه من حروبهم مع الهند.
انهزم الرومان المذعورون من مواجهة الفيلة لأول مرة في حياتهم، ثم الحق بهم بيروس في العام التالي هزيمة جديدة في أسكولوم.
لم تكف الهزيمتان لإنهاء الرومان الذين كانوا مجرد دولة صغيرة ناشئة، وزاد الطين بلة الإحصاء الذي كشف عن مقتل 7500 مقاتل وعدد من خيرة ضباط بيروس، ما سبب انهيار معنويات المعسكر المنتصر.
لم يتمكن بيروس من سد النقص في قواته لأن مستأجريه الإغريق الأغنياء أخلفوا معه بتجهيز جيش رديف لمقاتليه، فهم لا باع لهم بالأمور العسكرية، فاضطر القائد المنتصر إلى طلب الصلح، وكانت المفاجئة، الرومان الذين أذلهم انكسارهم لمرتين أمام الإغريق، يرفضون السلم ويصرون على الحرب.
أدرك بيروس بسنواته التي تزيد عن الستين بقليل ورطته، وينقل عنه المؤرخ اليوناني القديم بلوتارك عبارته الشهيرة “انتصار آخر على الرومان سيدمرنا كليًا”.
الانسحاب يعني الهزيمة، لكن الأصعب حين تقاتل بيدك لتحقيق هزيمتك الحتمية، بيروس اختار الهزيمة الأولى وعاد بخيبته إلى اليونان.
يُستخدم مصطلح النصر البيروسي اليوم نسبةً لهذا القائد الذي وقع في مصيدة الهزيمة، لكن ما ننتظره الآن المصطلح الأنسب لقائد يحتفل بهزيمته، ويهلل له العالم وهو يرفع علم قواته فوق دمار منازل المدنيين.
ربما يصبح مصطلحًا كالذي طرحه بعض الباحثين والمفكرين السوريين أمثال ياسين سويحة، وياسين حاج صالح، رائجًا ومعترفًا به بعد مئات الأعوام، كدليل على تطبيع المؤسسات الدولية والمدنية مع التوحش، إنها “أسدنة العالم”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :