واقع اقتصادي جديد يفرضه “تخفيف التوتر” في سوريا

  • 2017/09/03
  • 2:24 ص

سوق مدينة سراقب في مدينة إدلب الخميس 31 آب (وكالة نبأ الإخبارية)

عنب بلدي – مراد عبد الجليل

فرضت اتفاقيات “تخفيف التوتر” واقعًا اقتصاديًا جديدًا في بعض المناطق المدرجة ضمنها، في حين استمر مسلسل الحصار الاقتصادي في مناطق أخرى، مع تأخر تنفيذ البنود التجارية.

واتفقت روسيا وإيران وتركيا على “تخفيف التوتر” في محادثات أستانة، في أيار الماضي، قبل انضمام الولايات المتحدة الأمريكية لتثبيت اتفاق المنطقة الجنوبية، في تموز، ثم الغوطة الشرقية بوساطة مصرية، وأخيرًا اتفاق ريف حمص الشمالي الذي مازال غامضًا حتى الآن.

الاتفاقيات أعطت أملًا وتفاؤلًا للمدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري برفع الحصار ودخول المواد الغذائية، ما قد يؤدي إلى تحسن الواقع المعيشي بعد مرور سنوات على الحصار الاقتصادي، لكن مدنيين مازالوا يشككون في تنفيذ ذلك، كون موسكو هي الراعية الأولى للاتفاقية والمسؤولة عن مقتل آلاف المدنيين في هذه المناطق.

انتعاش في الجنوب وأمل لدى المواطنين

وشهدت مدينة درعا وريفها في الجنوب السوري هدوءًا نسبيًا عقب الاتفاق بين روسيا وأمريكا، مطلع تموز، ما أدى إلى تحرك الأسواق في بعض القطاعات، بحسب قول الاقتصادي حمزة أبو زيد، وهو مدير المحاسبات في منظمة “الحلم” الخدمية والإغاثية.

وأكد أبو زيد لعنب بلدي أن الاتفاق أسهم في عودة الحياة ولو بشكل جزئي إلى المنطقة، خاصة في ظل الحديث عن افتتاح معبر نصيب الحدودي، الأمر الذي سيفتح أبواب التجارة مع الأردن، كما كثف نشاط المنظمات والفعاليات التي كانت الحرب تمنعها من المشاركة في أي نشاط، ووجدت في فترة الاتفاق تجربة لمرحلة ما بعد الحرب.

كما أنعشت الاتفاقية بعض القطاعات في المنطقة مثل تجارة المواد الغذائية والألبسة، إضافة إلى نشاط قطاع البناء والتجهيزات المنزلية وقطاعات توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية، بسبب ازدياد عودة اللاجئين من الأردن إلى الداخل السوري، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع إيجارات المنازل وزيادة ترميم المدمّر منها.

ورغم اعتبار ناشطين ومراقبين قرار العودة إلى درعا “مغامرة”، ارتفعت مؤخرًا وتيرة عودة اللاجئين من الأردن إلى الجنوب السوري من 28 عائدًا كل ثلاثة أيام إلى 200 عائد، بحسب صحيفة “الغد الأردني”.

عبد الرحيم العساودة، وهو صاحب ورشة بناء، اعتبر أن سبب زيادة ترميم المنازل يعود إلى الأمل الذي أعطته الاتفاقية للأهالي بإعادة الإعمار، وخاصة الذين كانوا يعيشون في الخيم ويحاولون العودة إلى منازلهم قبل فصل الشتاء.

ورفعت عمليات الترميم الطلب على مواد الإسمنت التي تدخل عبر التجار من مناطق النظام، بحسب التاجر محمد الشنور، الذي أكد أن الكميات الأكبر تأتي من محافظة السويداء، ويبلغ سعر طن الإسمنت بين 55 و65 ألف ليرة، وطن الحديد 350 ألف ليرة تقريبًا، وسعر المتر الواحد من الرمل الأبيض بين 13 و15 ألف ليرة.

وبالرغم من تحسن الواقع المعيشي إلا أنه مازال هناك تخوف لدى الأهالي، بسبب غموض الاتفاق وعدم ظهور تفاصيله للعلن، والخوف من حصول أي انتكاسة في المستقبل، بحسب قول الاقتصادي أبو زيد.

ضغط اقتصادي للقبول بالاتفاق

أما مناطق ريف حمص الشمالي، التي تعرضت في السنوات السابقة إلى حصارٍ كامل، ودخلت في 2016 بمرحلة جديدة عبر معابر غذائية وإنسانية تغلق تارة وتفتح أخرى من قبل الطرفين المتنازعين، شهدت نشاطًا في الحركة التجارية عقب توقيع اتفاقية “تخفيف التوتر” بين الفصائل وروسيا بوساطة مصرية، في آب الماضي.

رئيس مجلس الرستن المحلي، يوسف درويش، قال لعنب بلدي إنه مع دخول الاتفاق حيز التنفيذ شهدت المعابر حركة محدودة أدت إلى تنشيط الحركة التجارية، وتأمين احتياجات السوق المحلية من المواد الغذائية واستقرار الأسعار، إضافة إلى تشجيع عودة الأهالي إلى منازلهم في المدينة.

لكن الأسعار عادت إلى الارتفاع بسبب عودة التضييق على هذه المعابر، بعد فشل الاتفاق لانقسام الفصائل والفعاليات المدنية حول بنود اتفاق جديد أبرم عند معبر الدار الكبيرة.

وهو ما أكده درويش بقوله “الآن هناك ارتفاع في الأسعار نتيجة التضييق في حركة المعابر، إضافة لارتفاع قيمة الأتاوات (التي يدفعها التجار على المعابر)، في ظل عدم وجود ضوابط تموينية تحدد الأسعار وتمنع الاحتكار”.

من جانبه أكد عضو مجلس تلبيسة، أبو سفيان خشفة، أن الأسعار تضاعفت بشكل جنوني عقب عودة قصف الحولة، إضافة إلى تقنين دخول المواد الأساسية عبر معبر الدار الكبيرة، الذي يعتبر الشريان الحيوي للمنطقة، بسبب الأتاوات التي يفرضها الحاجز، ما أدى إلى التضخم في الأسعار وإغلاق بعض المحال التجارية.

وبالرغم من الغموض الذي يلف الاتفاق وعدم التوصل إلى حل، إلا أن درويش توقع أثرًا إيجابيًا في المنطقة في حال طُبقت الاتفاقية.

غموض في حرية التجارة بالغوطة

الواقع الاقتصادي في الغوطة الشرقية لم يكن بأفضل حالًا من مناطق الريف الحمصي، إذ تذبذبت الأسعار خلال الأيام الماضية بالرغم من توقيع اتفاقية “تخفيف التوتر” بين روسيا وفصيل “جيش الإسلام” قبل انضمام “فيلق الرحمن” إليها.

الاتفاق ينص أحد بنوده على فك الحصار وإقامة مفاهيم جديدة للتبادل التجاري بين مناطق المعارضة والنظام من دون أي قيود أو أتاوة، أي إنهاء عهد التاجر محي الدين المنفوش، الذي كان يدخل قافلات غذائية من معبر الوافدين إلى داخل الغوطة ويتحكم بالأسعار.

إدارة التجارة والاقتصاد في الغوطة الشرقية قالت إن آخر يوم كان في عقد المنفوش هو 24 تموز الماضي، ما أدى إلى توقف إدخال البضائع إلى المعبر من قبل النظام، وإنهاء عقود التجار المحليين مع المنفوش، متوقعين دخول الاتفاق حيز التنفيذ وبدء حرية الحركة التجارية.

أدى ذلك، بحسب الإدارة التابعة للحكومة المؤقتة، إلى ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية وحالة من الجمود في الحركة التجارية الناتجة عن الكساد وضعف القوة الشرائية وقلة الموارد وارتفاع نسبة البطالة وندرة المواد الأولية وعلى رأسها الوقود ومصادر الطاقة.

لكن الأسعار عادت إلى طبيعتها بعد دخول بعض السيارات المحملة بالمواد الأساسية إلى الغوطة، دون أن تحدد الإدارة عن طريق مَن.

من جهته أصدر مجلس أهالي دوما بيانًا، في 28 آب الماضي، طالب فيه النظام بالتطبيق الكامل للاتفاق وخاصة بند فتح المعابر وتحرير التجارة دون قيد أو شرط، كما طالب الضامن للاتفاق (روسيا) بالضغط على النظام للالتزام بمضمونه.

وطالب المجلس إدارة التجارة والاقتصاد بمنع دخول أي مواد غذائية يزيد سعرها عن قيمتها الحقيقية تحت أي بند، رافضًا إضافة أي مبلغ على التسعيرة الحقيقية للسلع.

إدلب تنتظر

أتاح توقف القصف في محافظة إدلب الفرصة لعودة النشاط إلى الأسواق، بعدما كان الطيران يستهدف التجمعات البشرية والسكانية، إلا أن زيادة نفوذ “هيئة تحرير الشام” قيّدت دخول بعض المواد من معبر باب الهوى، كمواد البناء والحديد، ما رفع أسعارها، وسط دعوات لاستئناف دخولها.

ومايزال مصير إدلب، المدرجة على اتفاقيات “تخفيف التوتر”، مجهولًا، وسط مخططات لعدة دول لتحييدها أو بدء عملية عسكرية فيها لإنهاء “هيئة تحرير الشام”.

ويبقى الأهالي في المناطق بانتظار تطبيق الاتفاقيات بشروطها المتفق عليها أملًا في تحسن الواقع الاقتصادي المعيشي لهم بعد سنوات من الحصار، لكنهم يتخوفون من تكرار سيناريو الاتفاقيات السابقة التي حالت دون تنفيذها في ظل تعنت النظام وعدم قدرة الأطراف الضامنة التأثير عليه.

مقالات متعلقة

  1. الخارجية الفرنسية تدين القصف الممنهج على الغوطة الشرقية
  2. "أستانة 9" تنطلق لنقاش "تخفيف التوتر" في سوريا
  3. فرنسا تنتقد آلية عمل مناطق "تخيف التوتر" في سوريا
  4. روسيا: تحوّل سيطرأ على مناطق "تخفيف التوتر" في سوريا

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية