عنب بلدي – ضياء عودة/حسن مطلق
لم يَصدُق الجولاني قوله بعد السيطرة على مدينة إدلب، في 28 آذار 2015، إن “النصرة” لا تُفكّر بالاستئثار بحكم المنطقة، فقد بدأت “هيئة تحرير الشام”، التي يقودها عسكريًا، تبسط يدها على مفاصل القطاعات الخدمية والمدنية في محافظة إدلب سعيًا لإدارتها، ولكن “بعدل شريعة الله التي تحفظ دين الأهالي وأموالهم وأعراضهم وتبسط الشورى وتعدل بينهم”، بحسب بيان صوتي له آنذاك.
ويبدو أن مشروع الفصيل الذي يهدف إلى تشكيل “إمارة إسلامية” مازال قائمًا، لكن بتغيير الأساليب والمسميات، وإن لم تظهر ملامحه الكاملة أو تَصوّر الهيئة وآليات إدارتها إلى العلن.
وتحاول عنب بلدي الوقوف على الخطوات السريعة التي مرت على محافظة إدلب عقب الهيمنة الكاملة لـ “الهيئة”، والمصير الذي تنتظره، في ظل الطروحات التي يتم العمل عليها لتشكيل “جسم مدني” جديد لإدارتها، والخرائط المرسومة من قبل الدول الإقليمية والتي تسعى إلى التدخل في المنطقة.
“تحرير الشام” تكبح نشاط مجلس إدلب
مرت ثمانية أشهر على تشكيل مجلس مدينة إدلب، الذي تسلّم القضايا الخدمية والمدنية من الإدارة التابعة لـ “جيش الفتح”، بعد عملها في المدينة منذ سيطرة فصائل المعارضة، وكأول التفاف على الاتفاق القديم، أوقفت “تحرير الشام” العمل في المجلس، بعد إخضاع هيئاته الإدارية والمدنية لسيطرتها كابحةً دوره بشكل كامل.
المخاوف التي برزت لدى تشكيل المجلس حول تقييده من قبل “تحرير الشام” بدأت تطفو إلى السطح، كما أن آمال الأهالي في الاعتماد عليه والانتقال إلى النشاط المدني داخل المدينة تضاءلت، بعد توسيع “تحرير الشام” سيطرتها في المحافظة، ومحاولات فرض نفوذها على كافة القطاعات، وسط دعوات من المجلس للفصائل إلى “عدم التدخل بالحياة المدنية والمجالس المحلية حفاظًا على المصلحة العامة”.
ورعى المجلس في الفترة الماضية عشرات المشاريع الخدمية، وصولًا إلى تعيينه مخاتير للأحياء وسعيه لتشكيل لجان تديرها، إلا أنه اصطدم بمحاولات السيطرة عليه، وخاصة بعد دعوته إلى تشكيل “حكومة إنقاذ”، خلال اجتماع حضرته معظم مؤسسات المجتمع المدني في إدلب وما حولها، في 15 آب.
وقال رئيس المجلس، إسماعيل عنداني، لعنب بلدي، إن المبادرة “مازالت مشروعًا بحاجة لأن يكتمل بنقاشات المهتمين”، مشيرًا إلى أنها “طُرحت بالتوافق بين كل الفعاليات الثورية، لتنبثق عن مؤتمر وطني جامع يكون بمثابة جمعية تأسيسية، لإدارة مدنية مستقلة لا تخضع لأي جهة عسكرية، وتحدد مسؤولياتها وصلاحياتها في ضوء نظام عمل يضبط عملها، على أن تكون منفتحة داخليًا وخارجيًا لتحقيق المصلحة العامة للبلاد”.
وعقب التحركات المتتالية لـ “الإدارة المدنية للخدمات” التي تديرها “تحرير الشام”، اتهمها المجلس بمحاولة إخضاعه لتبعيتها، من خلال قرارات وصفها بـ “المتسارعة”.
وأكد عنداني أن “الإدارة المركزية للخدمات بدأت فرض سيطرتها على المديريات والدوائر الخدمية التابعة للمجلس، كمديرية المياه والنقل، من خلال قرارات تعيين لمدراء وتغيير تسميات”.
ولفت إلى أن الهيئة “سعت إلى إلحاق المجالس المحلية بها وفرض قراراتها عليها وإلغاء استقلالية المستقل منها”، مبديًا عدم رضاه عن الطريقة التي تسير وفقها الهيئة.
سحب المديريات من المجلس بهذه الطريقة أوقف نشاطاته، وقال عنداني إنه مستعد لبحث مسائل مثل تعميم المديريات وتسليمها إن اقتضى الأمر لكن إلى حكومة مدنية غير فصائلية معترف بها، مردفًا “في حال توقف المجلس عن العمل سيكون لنا وقفة في ذلك الوقت”.
لن يكون المجلس تابعًا لأي جهة، وفق عنداني، رغم اتهاماته بأنه “مُسيّر من قبل الهيئة” حين تشكيله، واعتبر رئيسه أن الحفاظ على المناطق “المحررة” وحمايتها من الاستهداف، يكون عبر تشكيل حكومة مدنية تتولى زمام الأمور بعيدًا عن العسكرة، إضافة إلى تأسيس قضاء وشرطة مدنية وجسم عسكري واحد يخضع للسلطة السياسية.
وحول شكل الحكومة المدنية في ظل عمل الحكومة المؤقتة حاليًا، قال رئيس مجلس إدلب “نحن لا نتحدث عن إيجاد بديل عنها، فربما تكون نفسها مع تعديلات أو غيرها، فالأشخاص يذهبون والأجسام باقية”.
مبادرة لتشكيل “إدارة مدنية” في “المحرر“
ويبدو أن مشاريع “تحييد إدلب” بدأت تتقاطع وتظهر تخبّطًا سببه الضغط الدولي، لإنهاء وجود “تحرير الشام”، المتهمة بتبعيتها المباشرة لتنظيم “القاعدة”، فبعد عشرة أيام من الدعوة إلى تشكيل “حكومة الإنقاذ”، طرح أكاديميون من جامعة إدلب مبادرة حملت اسم “الإدارة المدنية في المناطق المحررة”.
وحضر اجتماع المبادرة، في 24 آب، نحو 40 شخصًا يمثلون منظمات وهيئات وفعاليات وجهات عسكرية، وأبرزهم مؤسس “الجيش الحر” العقيد رياض الأسعد، الذي تعرض لانتقادات لاذعة، واتهمته فصائل “الجيش الحر” بدعم “مشروع الجولاني”، إلا أنه اعتبر أن “المحسوبين على الثورة وعملاء النظام، يُحاولون تشويه صورة من يعمل جاهدًا لإنقاذ إدلب من الهلاك، باعتبارها المحافظة الوحيدة التي بقيت دون توقيع هدن”.
وشرح الأسعد، في حديث إلى عنب بلدي، طبيعة الجهود لتشكيل الإدارة، بالقول “أخذنا المبادرة بتشكيل الجيش الحر، واليوم أخذناها لإنقاذ إدلب من الدمار، ولهذا قابلنا الحكومة والأهالي والمجالس والعشائر والهيئات السياسية وكل المكونات حتى نوجد رؤية لإنقاذ المنطقة”.
لم تحدد المبادرة إدارة الحكم في إدلب، بل كانت اجتماعًا لتشكيل “هيئة عامة” تضم السوريين من داخل وخارج سوريا، لتقرر ما سيجري في إدلب، وفق الأسعد، الذي أوضح أن اجتماعًا ثانيًا سيعقد في الأيام المقبلة تحت مسمى “مؤتمر عام” تجتمع فيه كافة الشخصيات والإدارات والفصائل العسكرية.
كيفية تشكيل إدارة للمدينة ومن سيحكمها يحددها المؤتمرون، على حد قول الأسعد، الذي تحدث عن طروحات لتشكيل مجلس قضاء وشرطة وجسم عسكري واحد، وإدارات تنتخبها المجالس المحلية، وهي خطوات تتشابه مع رؤية مجلس المدينة حيال إدلب.
وعن حضور “تحرير الشام” ودورها في المبادرة، قال مؤسس “الحر” إن “الأمور دُرست بعناية ولا أحد يتدخل، فنحن نريد النجاح لذلك نستشير الجميع، ولكن يمكن ألا تحضر تحرير الشام أو ربما يمثلها شخص واحد، “كي لا يقال إن الأسعد أو شخصًا أو جهة معينة هي القائمة على المبادرة”.
“هناك مطلب داخلي وخارجي لإنقاذ إدلب ويجب أن نتنازل ونضحي”، أضاف الأسعد، مؤكدًا “لا ننتمي للقاعدة ولا لأحد، بل نتعاطف مع الشعب”.
وعن مستقبل المحافظة، لفت إلى أنه “لا يمكن تحديده حاليًا، فتعاون الناس مع المبادرة وكف لسان الحاقدين عنها، يضمن نجاحها وهذا ما يُحدد مصير إدلب”، متمنيًا أن “تلبي المبادرة طموح الداخل والخارج، كي نستطيع تجنيب المنطقة التدخل الدولي من أي جهة كانت وبالتالي دمارها”.
الحكومة المؤقتة تتابع عملها وتتحاشى الصدام
تضم المحافظة أكثر من 2.9 مليون مدني، كثيرٌ منهم هُجّروا من مناطق أخرى، بحسب إحصائيات الحكومة المؤقتة. |
وسط هذه المعمعة، اتجهت الأنظار إلى الحكومة السورية المؤقتة، باعتبارها الجهة المسؤولة عن إدارة معظم المجالس المحلية في المحافظة، لكن “الإدارة المدنية للخدمات” استبقت أي تحرك للحكومة واعتبرت نفسها “الجهة الوحيدة” المخولة بمتابعة أمور المجالس المحلية في المناطق “المحررة”، لتردّ وزارة الإدارة المحلية والإغاثة وشؤؤقون اللاجئين، التابعة للحكومة المؤقتة، عبر بيان تؤكد فيه أن تبعية المجالس الإدارية لها.
ولم تخص الوزارة مدينة إدلب بعينها في البيان، بل ذكرت أن أي جهة جديدة تنتج عن “تغيير عسكري” في أي مدينة، لن يكون لها سلطة أو علاقة بالحالة المدنية أو المجالس.
وحول مشاركة الحكومة في مبادرة “حكومة الإنقاذ” في إدلب، قال أحمد قسوم، معاون وزير الإدارة المحلية، في حديث إلى عنب بلدي، إن الحضور والدعوات لممثليها، كان بشكل شخصي ولم تكن حاضرة كحكومة.
لم تتوقف الحكومة والوزارات والمديريات أو تتأثر “بشكل كبير”، وفق قسوم، الذي أكد أنها “تتابع عملها في ظل ما يجري داخل إدلب”.
ولدى سؤاله عن التوجه الأمثل، من وجهة نظر الحكومة، للحفاظ على إدلب، قال إن جميع الإدارات والمديريات والوزارات تتكاتف وتتضافر جهودها للوصول إلى إدارة أفضل لخدمة المناطق “المحررة”.
لكنه لم يُجب عن إمكانية تنفيذ المبادرات، في ظل وجود الحكومة، وإمكانية التعاون مع “تحرير الشام” أو أي جهة أخرى، لتنسيق العمل ضمن جسم واحد، واكتفى بالقول “قمنا بالثورة لبناء مؤسسات عادلة لكل الناس وهذا ما نطمح إليه”.
ولم تقتصر محاولات “تحرير الشام” بسط يدها على الملف السياسي والخدمي في المنطقة، بل امتدت لتطال ملفات كالرياضة، التي شغلت حيزًا واسعًا من نشاطات المحافظة بإدارة “الهيئة السورية للرياضة والشباب”.
ومع الحديث عن تحرّك لـ “الهيئة” لتشكيل جسم يتبع لها، خاص بالملف الرياضي، قال ظلال المعلم، رئيس “الهيئة السورية للرياضة”، إن “تحرير الشام” لم تتدخل حتى الآن ولم تصدر تعليمات بهذا الخصوص.
إلا أنه أشار إلى محاولات تتقاطع مع التجاذبات السياسية، لسحب البساط من تحت هيئة الرياضة، واستغلال البعض لذلك بمحاولات إنشاء أجسام جديدة، لكنه استبعد ذلك، فقد منعت “الإدارة المدنية للخدمات”، التابعة لـ “تحرير الشام”، تشكيل أي جسم رياضي، وأبقت الوضع كما هو عليه في الوقت الحالي.
موقف غامض وغير مباشر لـ “تحرير الشام“
لم تعلن”هيئة تحرير الشام” عن موقفها ورؤيتها الرسمية من الخطوات الأخيرة التي تقف وراءها، بخصوص المشروع الجديد. وتواصلت عنب بلدي مع مدير العلاقات الإعلامية، عماد الدين مجاهد، إلا أنها لم تتلقّ ردًا.
طرق عدة اتبعتها “تحرير الشام” وحاولت من خلالها طرح فكرتها بصورة غير مباشرة بعيدًا عن الظهور أو البيانات الرسمية، كان من بينها دعوة وجهت من قبل “أبو محمد الجولاني” للاجتماع مع عدة شخصيات ثورية، بينها الباحث أحمد أبازيد، وعضو وفد أستانة السابق أسامة أبو زيد، وحسن الدغيم الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، من أجل بحث تشكيلة مشروع الإدارة الذي تحضّر له.
ولم تمض أيام على الدعوة حتى أصدر الدغيم بيانًا أوضح فيه تفاصيل الدعوة التي تلقاها، وأوضح أنها تتمحور حول “الحوار وما آلت إليه الثورة، وترتيب الأوراق في المناطق المحررة، وذلك بعد تلقي وعود من الهيئة بأنها ستتعامل مع جميع المكونات الثورية ضمن مصلحة الثورة والشعب السوري، وتؤجل الخلافات المنهجية أو تسكت عنها على الأقل”.
وأضاف أن شروطًا طرحت قبل الاجتماع، منها “وقف العدوان والبغي تمامًا، والإفراج الفوري عن المخطوفين الثوريين، كأبي عبد الله الخولي وأبي عزام سراقب، بالإضافة إلى تعويض المتضررين، وكفالة حق التظاهر المدني السلمي في مناطق سيطرتهم”.
إلا أن “تحرير الشام” أخلفت الموعد المتفق عليه في 24 آب الماضي، بحسب الدغيم، موضحًا أن “خلافًا حادًا حصل بين أجنحة الجماعة حول جلستهم معنا للتفاوض مع اختلاقهم لذرائع واهية”.
وأضاف الدغيم أن “الهيئة” قبلت بالتواصل مرة أخرى، إلا أنها رفضت فيما بعد، على خلفية المظاهرة التي شارك فيها الدغيم في بلدة عنجارة بريف حلب الغربي، إلى جانب قياديين من “حركة نور الدين الزنكي”، واعتبارها أن هذه العملية نوع من التحدي.
القائد العام لـ “تحرير الشام”، هاشم الشيخ (أبو جابر) وجه في خطبة بمسجد في مدينة بنش رسائل حملت استراتيجية “الهيئة” في المرحلة المقبلة، والموقف العام من المخططات التي ترسمها الدول المعنية بالمنطقة.
وقال إن “الهيئة” مستعدة لحل نفسها بشرط أن تحل جميع الفصائل العاملة في الشمال نفسها تحت قيادة واحدة.
وأضاف “قالوا لنا عليكم أولًا أن تحلو هيئة تحرير الشام، وقلنا نحن مستعدون لحل التنظيم الذي بني لوسيلة وليس لغاية، لكن شرط أن تحل الفصائل نفسها، ونكون تحت قيادة واحدة”.
وأوضح أبو جابر أنه “يتم البحث حاليًا عن جسم واحد، بعد سنوات من التمزق والتشرذم الذي شهدته الساحة”.
وأشار إلى أن “العالم، وعلى رأسه روسيا وأمريكا، يحضّرون لإنهاء الثورة، والخروج إلى جهة يتم الاتفاق معها على حل سياسي يبقي الأسد ويضيع الدماء والشهداء”.
واعتبر الشيخ أن “الاجتماعات والمفاوضات السياسية لا تمثل إرادة الشعب وثورته”.
واتهم منصة موسكو بأنها “صنيعة روسيا”، إلى جانب منصة القاهرة التي تعتبر “صنيعة مصر والسيسي والنظام السوري” أيضًا، علاوة على “هيئة التفاوض التي صنعتها الرياض”، والذي “يعد تمثيلهم للشعب السوري في حقيقته باطلًا”.
“الغرب يحاول شخصنة الصراع في سوريا، على أنه مرتبط بأشخاص يريدون السلطة”، وقال الشيخ إنه “لا مانع من الحل السياسي لكن مع تضمين مبادئ وأهداف الثورة السورية”.
ودعا إلى “مشروع جامع يوضع له برنامج يرتكز على جهة سياسية تمثل الشعب، وجهة عسكرية تحمي الشعب”، لافتًا “هذا ما نسعى إليه بعيدًا عن أي وساطة خارجية أو داخلية”.
ماذا تخبئ الدول لإدلب؟
فتحت سيطرة “تحرير الشام” على إدلب سيناريوهات تدخل دولي، باعتبارها مصنفة على قوائم “الإرهاب” في الدول المؤثرة في الملف السوري.
وبالتزامن مع الخطوات التي تقوم بها على الأرض، تستعرض الدول الإقليمية الكبرى مخططاتها، فبينما تحاول الولايات المتحدة الأمريكية ونظيرتها روسيا القيام بعمل عسكري لإنهاء نفوذ الفصيل في المحافظة، تحاول الحكومة التركية تحييدها من خلال مقترح طرحته في 22 آب الماضي يتضمن ثلاثة بنود يتم دراستها مع المعارضة والفصائل.
موقف تركي متخبّط
صحيفة “يني شفق”، المقربة من دوائر القرار في أنقرة، ذكرت أن المقترح التركي يتمثل في ثلاث نقاط أساسية وهي تشكيل هيئة إدارة محلية مدنية للمدينة تتكفل في إدارة شؤونها الإنسانية والحياتية، مع تحييد التنظيمات المسلحة عن إدارتها، إضافةً إلى “تحويل مقاتلي المعارضة السورية إلى جهاز شرطة رسمي يتكفل بحفظ الأمن، وحل هيئة تحرير الشام بشكل كامل”.
وأوضحت الصحيفة أن “جهات رسمية تركية تجري حاليًا اتصالات مع المعارضة السورية، والتنظيمات الفاعلة في المدينة من أجل التوصل إلى حل يلغي أسباب القيام بعملية عسكرية في المحافظة”.
وتتصدر العملية المحتملة الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا، ويجري الإعداد لها وتسريع خطواتها، وذلك تحت مبرر “الحرب على الإرهاب المتمثل في بقايا تنظيم القاعدة وعناصر النصرة المنضوين حاليًا تحت اسم هيئة تحرير الشام”، بحسب الصحيفة.
وأشارت إلى أن “تركيا تخشى أن تؤدي هذه العملية إلى تقوية النظام السوري من خلال إنهاء أكبر معقل للمعارضة السورية المسلحة، بالإضافة إلى الخشية من وقوع كارثة إنسانية على حدودها”.
وتتخبط السياسة التركية السورية منذ أشهر وسط “إعصار” شمال سوريا، بحسب الكاتب والباحث التركي سمير صالحة، معتبرًا أن “مشكلة تركيا هي ليست فقط في تنافس المجموعات (حزب الاتحاد الديمقراطي، تحرير الشام) للسيطرة على مناطق حدودها الجنوبية، بل تعرّضها الدائم لاتهاماتٍ يوجهها الحلفاء أحيانًا بشأن وجود علاقة تربطها ببعض هذه التنظيمات، كما فعلت واشنطن، عندما تحدثت مطولًا عن خدمات تركية قدمت لتنظيم (الدولة)”.
وأوضح في مقال له في صحيفة “العربي الجديد” أن “أنقرة تصر على وجود خطة تستهدف أمنها القومي مباشرة، عبر محاولة إنشاء كيان كردي في شمال سوريا، يجمع بين مناطق الحدود العراقية والواجهة الشمالية الغربية في سوريا، ويتضمن فتح نافذة كردية تطل على البحر الأبيض المتوسط”.
كما “تعتبر أيضًا أن واشنطن نجحت في تعطيل آخر تفاهمات لقاء أستانة الثلاثي الذي دعا إلى إنشاء منطقة تخفيض التوتر في إدلب، بفتح الطريق أمام بناء قوة محلية جديدة هناك، بإشراف جبهة النصرة وحلفائها المحليين، ورفع شعار ضرورة القضاء على هذا التنظيم الإرهابي، قبل طرح أي خطة أمنية في المدينة”.
خطط أمريكية فاشلة
لا يقل الموقف الأمريكي من الوضع الحالي لمحافظة إدلب أهميةً عن الموقف التركي، وبالنظر إلى التطورات الدقيقة التي شهدها الوضع السوري، نجد تناقضًا بين الموقفين (الأمريكي والتركي)، والذي ظهرت أولى ملامحه بتصريحات تركية تفيد بفشل مخطط أمريكي في المحافظة.
وترجمت عنب بلدي مقتطفات من تقرير نشرته صحيفة “يني شفق”، 27 آب، جاء فيه أن الولايات المتحدة كانت تستخدم “تحرير الشام” كذريعة لـ “حتلال” إدلب، على أنها “ذراع تنظيم القاعدة”.
ولفت التقرير إلى أن إدلب المتاخمة للحدود التركية ستسلم إلى “الجيش السوري الحر”، مشيرةً إلى أن “العمل بدأ لتشكيل مجلس محلي وإدارة مدنية في جميع أنحاء المحافظة”.
وشبّهت “يني شفق” ذرائع الولايات المتحدة في إدلب، بأنها “ذريعة الديمقراطية على غرار ما انتهجته خلال احتلالها لأفغانستان والعراق”، كما “تُعطي PKK الشرعية في سوريا”.
وكان القيادي في “الجيش الحر”، مصطفى سيجري عرض عقب سيطرة “الهيئة” الكاملة على إدلب مخططًا قال إن “أمريكا تهدف من خلاله إلى تمكين قوات سوريا الديمقراطية من المنطقة الشرقية، تمهيدًا للسيطرة اللاحقة على كامل المناطق الحدودية”.
وأضاف أن “الخطة (أ) عند الأمريكان هي دعم قسد (قوات سوريا الديمقراطية) لدخول إدلب، وهذا ما ترفضه تركيا وتعتبره تهديدًا لأمنها القومي ويتعارض مع مشروع روسيا وطموحها، ومن الممكن أن تقبل روسيا بالمشروع الأمريكي في حال لم تصل مع تركيا لأي تفاهم حول إدلب”.
وبحسب وجهة نظر القيادي، فإن “نجاح الخطة (أ) عند الأمريكان يتوقف على رفض الفصائل الثورية من أبناء إدلب لبرنامج الدعم والتسليح على غرار برنامج البنتاغون بعد خمسة أشهر، فإن وافقوا تم قطع الطريق على قسد”.
وفي حال عجز الأمريكيون عن تنفيذ الخطة (أ) ينتقلون إلى الخطة (ب)، إذ لديهم خياران، إما دعم تشكيل عسكري عربي سني، وإما عقد صفقة أكبر مع الروس.
محاولات روسية ضمن “تخفيف التوتر“
بالانتقال إلى روسيا الطرف الدولي الثالث الأساسي والفاعل في الملف السوري، تحاول موسكو إنشاء مناطق “تخفيف التوتر”، إلا أنها تجد صعوبة في هذه العملية، وفق ما أعلن عنه وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف.
وقال لافروف خلال لقائه نظيره الأمريكي، ريكس تيلرسون، في العاصمة الفلبينية مانيلا مطلع آب الماضي، إن “العمل على إنشاء مناطق تخفيف التوتر في إدلب لن يكون سهلًا”.
ويرى مراقبون أن هناك “صعوبة بالغة” في تحديد المناطق، في ظل سيطرة “هيئة تحرير الشام” على معظم أرجاء المحافظة.
وأعلنت روسيا أنها تفاوض المعارضة في ست محافظات، للانضمام لاتفاق إلى وقف إطلاق النار، في كل من حلب وإدلب ودمشق وحماة وحمص والقنيطرة.
ورعت روسيا في وقت سابق اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب السوري، بالمشاركة مع الولايات المتحدة، كما أعلنت عن اتفاقي الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي خلال تموز وآب الجاري.
وتعتبر روسيا “هيئة تحرير الشام” إرهابية، وقد استثنتها من نقاط تخفيف التوتر السابقة.
وأكد وزير الخارجية الروسي أن “الاتصالات مع الأمريكيين حول الأزمة في سوريا مستمرة ونأمل في متابعتها”.
ولفت إلى أن موسكو ناقشت أمر مناطق تخفيف التوتر في إدلب، مع وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو.
كيف انفردت “جبهة النصرة” بمحافظة إدلب؟
تشرين الثاني 2012
تأسست “جبهة النصرة” في تشرين الثاني 2012 بهدف “إعادة سلطان الله إلى أرضه، والثأر للعرض المنتهك، ورد البسمة إلى النساء والأطفال الرضع”، بحسب بيان صوتي أكدت فيه تبعيتها للقاعدة والانفصال عن “دولة الإسلام في العراق والشام”.
كانون الأول 2013
ظهر “أبو محمد الجولاني” في لقاء على قناة “الجزيرة” مع الإعلامي تيسير علوني، واعتبر أن همّ الجبهة الأول قيام “حكومة إسلامية راشدة تطبق شرع الله”.
آذار 2015
سيطرت جبهة النصرة مع فصائل المعارضة على مدينة إدلب وريفها بشكل كامل، تحت راية غرفة “عمليات جيش الفتح”، المشكلة من عدة فصائل.
تموز 2016
ظهر الجولاني وفك ارتباط النصرة بتنظيم القاعدة، وغير مسماها إلى “جبهة فتح الشام”، وحدد أهدافها بـ “تقريب المسافات بين فصائل المجاهدين في الشام، وحماية الثورة السورية وجهاد أهل الشام، وتلبية لرغبة أهل الشام في دفع ذرائع المجتمع الدولي”.
أيلول 2016
لقاء لـ “أبو محمد الجولاني”، دعا فيه إلى كيان يدافع عن أهل السنة سياسيًا وعسكريًا، وظهرت في خطابه إشارات التحول إلى العمل السياسي، واستخدم كلمة الثورة السورية بشكل متكرر، لأول مرة في تاريخ التنظيم الجهادي.
وخلال هذه السنوات، قضت فتح الشام على عدد من فصائل “الجيش الحر” العاملة في الشمال السوري، منها “جبهة ثوار سوريا”، “حركة حزم”، “جيش المجاهدين”، “تجمع فاستقم كما أمرت”.
كانون الثاني 2017
أعلنت فصائل “فتح الشام”، “نور الدين الزنكي”، “لواء الحق”، “جيش الأحرار”، “جيش السنة”، “جبهة أنصار الدين”، تشكيل “هيئة تحرير الشام”، واعتبارها جسمًا سياسيًا وعسكريًا.
سمي الجولاني قائدًا عسكريًا للفصيل، بينما عين المهندس هاشم الشيخ (أبو جابر) قائدًا عامًا، وهو القادم من حركة “أحرار الشام”، وسط أنباء عن تحكم الجولاني بمفاصل التشكيل الجديد.
أيار 2017
أبدت الهيئة اهتمامًا بالواقع الخدمي وعمل المنظمات الإنسانية في المناطق المحررة شمال سوريا، ودخلت على خط تعبيد الطرقات وتمديد الإنارة في شوارع إدلب وريفها.
حزيران 2017
بدأت ملامح خلاف يتوسع بين “تحرير الشام” وحركة “أحرار الشام”، بعد فرض الهيئة سيطرتها على بعض مفاصل إدلب الاقتصادية وخاصةً الكهرباء، إلى أن بدأ الاقتتال بين الطرفين في نهاية حزيران، والذي انتهى بهيمنة “الهيئة” على المحافظة.