العلمانية والتقمص

  • 2017/09/02
  • 11:47 ص
أحمد عمر

أحمد عمر

أحمد عمر – المدن

في الأساطير القديمة أن الإنسان أصله سمكة. وأصل هذه الأسطورة، والأسطورة حقيقة شعرية، أن الإنسان نطفة، والنطفة ماء.

تقول شهادة المؤرخ الكردي عز الدين مصطفى رسول  الذي عاش مع طالباني في غرفة واحدة، منفيين في دمشق. إن طالباني كان صاحب تأويل وإشارات وعبارات، وذكر لصحبه أنه يريد زيارة اللاذقية لأكل نوع من السمك، لذيذ، وخال من العظم. وأنه أدرك أن الأمر أبعد من الطعام. وكان طالباني يحبُّ بطنه، لكنه لم يكن يعلم أن السمكة هي جميل الأسد.

وزاراه في مكتبه. وتمنيت على صاحب الشهادة التي بثت أمس، أن يزيد فيها، ويوفي الكيل، ذلك كيل يسير، حتى نعرف أسرار هذه الأسرة التي حكمت سورية كما لم يحكمها من قبل إنسان. وذكر أن جميل الأسد صحح له معلومة ذكرها أمامه، وهي أنه سمع أن أصل أسرة الأسد من جبل سنجار، فقال جميل: بل إنهم كاكائيون. أي أنهم ليسوا عرباً، ولا مسلمين، ولا سوريين!

والكاكائية طائفة كردية، بل هي دين كردي كما تقول الشهادة، وأقدم من الإيزيدية. وإن أصل اسم الأسرة ليس الأسد، وهذا يتوافق مع بعض ما ذكره باتريك سيل، ومع ما يعرفه الشعب السوري. ويقول رسول: الكاكائية دين باطني، يؤمن بالدونا دون، وهو التقمص والتناسخ، فالإنسان يتقمص بعد موته أرواحاً أخرى قد تكون أرواح بشر أو حيوان أو نبات.

المصريون يؤمنون بالبعث، والتقمص عقيدة قديمة لكنها خافتة جدا عندهم.

الإعلام المصري الذي أضحك من هذره الأمم، ومصر خارجة من ولادة ثورة إلى قيصرية انقلاب، أو من ثورة عفوية إلى ثورة مسلحة، تقودها القوات المسلحة. وفي مصر ما لا يحصى من الأزمات، وجد أن يجتهد في مسألة فقهية فرعية هي إنكار عذاب القبر. وكان عذاب المعتقلات القديمة التي بناها عبد الناصر، والجديدة التي أسسها السيسي أولى بالنكران. وربما كان لإنكار عذاب القبر صلة بالحملة على البخاري ومسلم، أي على السنّة النبوية. قد يكون أمر الإلحاح على إنكار عذاب القبر، إيهاما للذات، ووعدا لها بأن هؤلاء الانقلابين سيرقدون في قبورهم ملايين السنين حتى تقوم الساعة، نومة هانئة من غير مظاهرات أو معارضة أو حساب.  يقال إنَّ الشعب المصري مؤمن بطبعه. وقد كافأتهم السعودية ببطاقات إلى الحج، وليس بالرز وحده يحيا الإنسان يا سعادة البيه.

النظام العلماني السوري في قلعة العلمانية الأخيرة، في سورية الصامدة على جبل قاسيون “المقدس”، حاول التبشير بمعتقده. وكان لمؤسس النظام، السمكة الخالية من العظم، رافع شعار ” لا حياة في هذا القطر إلا للتقدم والاشتراكية”، عين على معتقده الذي جعله قسما دستوريا يقسم به بدلا من القسم بالله.

انتبهت في مهرجان سينمائي سوري، أقيم في سنة   2010، حضرت بعض أفلامه السورية القصيرة، أن المهرجان هو مهرجان تناسخ أرواح، وقد شاهدت فلمين سوريين عن تقمص الأرواح. وكانت فكرة الفلم الأول عزاءً لأم بروح حمامة ترفرف فوق الشجرة عن فقد ولدها، أما فلم الهوية لغسان شميط فيتوسل بفكرة التقمص الإشادة بالهوية الوطنية. التقمص عقيدة لدى بعض الطوائف السورية. وكثيرة هي الشعوب التي تؤمن بتناسخ الأرواح، وخلودها في الدنيا. وهي غير فكرة خلود الرئيس على الكرسي. الذين يدين بها، الملوك في الشرق والغرب، مسلمين ومسيحين واسمها المجازي طول الأمل.

ويمكن القول إن النظام “العلماني”، حاول التبشير بمعتقد تقمص الأرواح، عبر الفن. ولم تكن تهمه الآخرة، فكان يعمل على طمس دين الأكثرية، أو تعقيمه كما تفعل الإمارات الآن، وإبدال معتقد بآخر، وإعلان دين وإعلاء ثقافة، كان يزعم أنها تقدمية اشتراكية، ولا علاقة للتقدمية التي نعرفها والاشتراكية بالتقمص.

وكان طالب عمران مبكراً، وهو مذيع أصله سمكة، يلحُّ على فكرة التقمص في برنامجه الشهير “آفاق علمية”!  وفي التسعينات كان النظام الذي أصله حوت، يبث مسلسلا إذاعياً عن تقمص الأرواح! وكان صديقي الماركسي السني المتزوج من علوية، يحاول هدايتي إلى عقل فكرة الإيمان بتناسخ الأرواح، وتسويغها، فيقول إن أصل الفكرة هو أمل الإنسان بالله، فالتقمص يمنح الأنسان فرصة أخرى لابتلاء الله، الامتحان سيستمر إلى ما نهاية، والنتائج مؤجلة إلى ما لانهاية، سنبقى في الدنيا، فلم أجادله، فهذه عقائد والناس أحرار في ما يعتقدون، في مبادئ حقوق الإنسان، وفي القرآن الكريم.

وكنت أقول له أني أؤمن بالتقمص الجزئي، كتقمص قيس روح ليلى، وإن فكرته في التسويغ ضعيفة، فالتناسخ قد يقع إلى كائنات أخرى كالنبات والحيوان، وهي غير عاقلة، وأخرى أعمارها قصيرة كالفراشة مثلا، وغير العاقل يعفى من العسكرية والاختبار، فلنهتم نحن بالسياسة والاقتصاد، وهذا ما تقتضيه عبارة: الدين لله والوطن للجميع الشهيرة، التي لم نرَ منها سوى عظام السمكة العالقة في حلوقنا، والتي يذيعها العلمانيون ويكفرون بها. ألا تجد معي أن الملوك سنةً ونصارى ويهودا، يحبّون أن يمكثوا على العرش، وأن هذا الشعب قد أجبر على تقمص أرواح الدجاج في الحياة الدنيا؟  وأن الديك قد تقمص أرواح نخبة من المطربين أمثال صباح فخري وفهد بلان وموفق بهجت…

بل أن خطيب الجامع الأموي زعم أن جبل العذاب قاسيون، قد حلت فيه روح جبل الرحمة عرفة، وأنّ الحج إليه أولى من الحج إلى عرفة. ويعرف السوريون جميعا، أنّ قاسيون يرقد في أعلاه قصر الشعب الذي لم يدخله الشعب، وأنه كان مسرحا لأقدم مهنة في التاريخ.

ولم يكن أبرهة الحبشي الذي بنى القليس يؤمن بالتقمص، وكان نصرانيا، ويغار من مكة وحاول دكّها بالفيل. ويقال في التحليل أنّ دوافعه في الغزو اقتصادية، ومتعلقة بطرق التجارة العالمية وقتها. وكان إعلام مصر بين الحين والآخر، يشنّ غزوات إعلامية تقودها فيلة الإعلام المصري على مكة، ويحاول إقناع جمهوره في عروضه التلفزيونية اليومية، التي يجند لها فيلة وذئاباً من الثقافة والفن بالسياحة الدينية في مصر بدلا من السعودية، وإن الحج إلى الأقصر أولى، ويذكرون بأنّ سيناء مباركة أيضا، وفيها كلم الله موسى تكليما.

وكانت الجزيرة قد قدمت برنامجا عن بيع أعضاء المصريين الفقراء، حتى غدت مصر في عهد السيسي متجراً للأعضاء البشرية. وتذكر تقارير إخبارية وشهادات موثقة عن اغتصاب المخابرات السورية كلى وأعضاء المعتقلين النظيفة قبل اغتصاب أرواحهم وإيداعها بنك الأرواح.

التناسخ والتقمص عقيدة من عقائد ما بعد الموت، وما يجري تناسخ وتقمص في الحياة، الدنيا قبل الموت، على رؤوس الأشهاد.

“وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ”، لكن الدماء على قمصاننا، المسروقة، بأرواحها وأحلامها، هي دماء حقيقية.

أصلهم سمكة قرش، وأصل ابناء إسماعيل كبش قربان.

فصبر جميل والله المستعان..

مقالات متعلقة

صحافة عربية

المزيد من صحافة عربية