عنب بلدي ــ العدد 116 ـ الأحد 11/5/2014
تعيش معظم ناشطات الداخل السوري حالة من الخوف الدائم من الاعتقال من قبل قوات النظام، ويضاف إليه خوف من نوع آخر، هو الخوف من الأهل، حيث يقوم عدد كبير من الناشطات بالمشاركة في أشكال الحراك الثوري المختلفة دون علم الأسرة أو موافقة الأهل، الذين يبررون ذلك بالخوف عليهن من الاعتقال وعنف النظام، لاسيما وأنهم يسمعون من مصادر مختلفة عن الإساءات الكبيرة التي تتعرض لها المعتقلات في السجون، كما يرجع البعض الآخر منع النساء من المشاركة في نشاطات الثورة إلى أسباب دينية واجتماعية عديدة تضع حدودًا لمشاركة المرأة في نشاطات سمتها «رجولية» كما يعتقدون، بينما يشكك آخرون بالثورة نفسها ولا يجدون مبررًا مقنعًا لها.
أبو عادل والد الناشطة منى، الطالبة الجامعية والنازحة من إحدى مناطق الريف الغربي إلى العاصمة دمشق، تحدث عن مدى سعادته بمشاركة ابنته في النشاط الثوري منذ اندلاع الثورة، وعبر عن شعور داخلي لديه بالرضا والفخر لمشاركتها، ولكن ذلك الرضا لم يكن لينعكس على موقفه الظاهري أمامها، وكان يوحي لها بعدم رضاه على مشاركتها، وذلك خوفًا عليها من الاعتقال، كما يقول، إذ إنه يعلم مدى وحشية قوات النظام التي لا تقف عند أي خطوط في قسوتها مع كل من يشارك في الثورة. أبو البراء والد الناشطة أسماء، المقيمة في العاصمة السورية، يشارك أبو عادل الموقف، ويقول «أخاف على ابنتي من الاغتصاب».
والدة الناشطة إيناس تقول إنها تحاول جاهدة أن لا تظهر لابنتها أي رفض لمشاركتها في الحراك الثوري، وذلك لكي تبقى على اطلاع على كل تحركاتها، وهي تساعدها في بعض الأحيان في عملها بالمجال الإغاثي، لتحاول مساندتها وتوفير الحماية الأمنية لها، والتي ربما تغيب عن تفكيرها بعض الأحيان.
أما والد الثائرة هبة، المقيمة في العاصمة، فيرفض مشاركتها في الثورة السورية، ويقول إن المرأة خلقت للعمل داخل منزلها ولتربية أولادها، ويضيف بأنه لو علم أن ابنته تشارك في الحراك الثوري فإنه سيمنعها بالقوة.
بينما يمنع البعض بناتهم وزوجاتهم من المشاركة لأسباب دينية، حسب رأيهم، حيث يعتبرون أن مشاركة المرأة في ميادين العمل الرجولي «عورة» بحد ذاتها، وهم يجدون بعض الحوادث اللاأخلاقية التي حدثت في مواقع مختلفة، والتي تصدق مخاوفهم وتجعلهم يتمسكون أكثر بمواقفهم.
من جهتهن، ترى بعض الناشطات أن خوف الأهل على بناتهم دفع الكثير منهن إلى استخدام أسلوب الكذب للمشاركة في الحراك الثوري، وأنهن مجبرات على استخدام هذه الطريقة، فحبهن لتقديم المساعدة والمشاركة في الثورة كان أقوى من تقدير شعور خوف الأهل عليهن.
تختلف وجهات نظر الناشطات حول درجة خوف الأهل، ويتفقن على أن ذلك الخوف شعور لا إرادي ينطلق من عاطفة الأهل الفطرية.
تقول منى أنها تحترم مشاعر والديها وتقدر خوفهما عليها، ولكنها ترى في المقابل أن الواجب يلقي على عاتقها الكثير من المهام التي يتوجب عليها القيام بها لخدمة الثورة والمجتمع، وأن مشاركتها أمر ضروري.
أما هبة فترى أن خوف والديها منبثق من خوفهما على نفسهما من قوات النظام السوري في حال اعتقالها، وهما اعتادا الخوف منذ أيام حافظ الأب ليستمر إلى عهد بشار الابن.
ومع اختلاف أسباب منع الأهل بناتهن من المشاركة في الحراك الثوري يتفق الكثيرون على أن درجة إيمان الأهل بالثورة السورية ومبادئها تلعب دورًا رئيسيًا في مشاركة بناتهم في ميادين العمل الثوري، كما أن للتجاوزات التي شهدتها الثورة على الصعيد الأخلاقي، من جهة أخرى، دور كبير في تردد الأهل في السماح لبناتهن في المشاركة والتأثير.