عنب بلدي ــ العدد 116 ـ الأحد 11/5/2014
في أحياء إسطنبول الكبيرة وبين أبنيتها السكنية الهادئة، يقع منزل في منطقة الفاتح يؤجره أحد السوريين كسكن جماعي للشباب، يستقطب الوافدين حديثًا إلى تركيا والباحثين عن فرص للعمل أو الهاربين من سخط الأنظمة العربية التي تعيق دخول اللاجئين السوريين إليها.
المنزل الذي يقع في بناء حديث، يحوي 21 سريرًا وزعت على شكل طوابق ثنائية في ثلاث غرف، يؤجر كل سرير منها بـ 300 إلى 400 ليرة تركية (ما يعادل 150-200 دولار)، يتوسطه صالون بثلاث كنبات معد للسهر ولاستقبال الضيوف.
في الصالون، يفترش 12 شابًا عاطلًا عن العمل، عدة تسليتهم في سهرة مفتوحة ومتنوعة، منهم من ينهمك بلعب الورق ومنهم من يتصفح الانترنت أو يشاهد فيلمًا على اليوتيوب.
«أقسم بالله العظيم ما عاد بدي العب شدّة بعد اليوم، عم اتوتر كتير من ورا أخطاء كل شريك أجدب بلعب معو»، يصيح علاء (30 عامًا) على شريكه في اللعبة، موجهًا له بعض الشتائم إثر خطأ ارتكبه أثناء اللعب. ليدخل أسعد (25 عامًا)، مسرعًا إلى تلك السهرة سائلًا الشباب: “يا شباب في حدا منكم عم يحك جسموا كتير شي؟ … عم حك ضهري من مبارح وصرت اليوم متحمم مرتين بس ما في نتيجة، خايف يكون البيت في مرض الجرب». فتتداخل بعدها الردود من الموجودين، تارة جديّة وتارة مستهزئة، وأخرى خائفة من حكة أسعد.
أبو محمد (30 عامًا)، من محافظة إدلب، يصنع لنفسه أجواءه الخاصة ضمن مساحته «السريرية» التي يملكها، حيث يجلس في غرفته على أحد أسرة الطابق السفلي يقرأ القرآن ويضع في أذنيه سماعات غير متصلة بأي جهاز صوّتي. يقول أبو محمد: «وأنا أقرأ القرآن أسمع في بعض الأحيان كلمات سيئة تخرج من أفواه الشباب عند اختلافهم في لعبة الورق، ذلك يزعجني كثيرًا بشكلٍ عام، ويفقدني التركيز والتمعن في آيات الله أثناء القراءة بالتحديد. لذلك أضع هذه السماعات محاولًا عدم سماع أي كلمة من الأشخاص المحيطين بي أثناء القراءة».
في غرفة أخرى، يحاول توفيق (40 عامًا)، وهو من ريف دمشق، أن يتعلم اللغة التركية والبحث عن فرص عمل مستخدمًا حاسبه الخاص، إذ إنه يأمل بفرصة عمل جيدة يستطيع من خلالها إحضار عائلته من مصر ليستقروا جميعًا في تركيًا. توفيق لا يفضل الاحتكاك بزملائه في البيت، ويقول إن هناك «اختلافًا كبيرًا بين مستواي الفكري ومستوى العديد من الموجودين».
الغرفة المجاورة خلت من ساكنيها، المنشغلين في سهرتهم في صالون المنزل، لكنها امتلأت بفوضى الملابس والأغراض الشخصية المبعثرة في أنحائها، ما يدل على حجم عشوائية وإهمال ساكنيها.
المنزل واحد من عشرات المنازل المشابهة المنتشرة في إسطنبول، والتي يعيش ساكنوها من الشباب السوريين حالة من الضياع والعطالة، منهم من يحاول تمضية الوقت كيفما اتفق في انتظار فرصة مجهولة، ومنهم من يجدّ باحثًا عن عمل أو مصدر رزق يكفل انتقاله إلى ظروف معيشية أفضل، بينما ينتظر آخرون فرصًا للجوء أو الهروب إلى أوروبا. وكل ذلك وسط استغلال وطمع المؤجرين السوريين الذين يبحثون عن متر إضافي في زوايا البيوت التي يؤجرونها ليضعوا فيها سريرًا إضافيًا يدر عليهم المزيد من المال على حساب خصوصية وراحة المستأجرين.