الكلمة.. مدلولها وآثارها
عنب بلدي ــ العدد 116 ـ الأحد 11/5/2014
ما زلنا نسأل عن الكلمة وجدواها، ونتفنن في استخدام ثمان وعشرين حرفًا ننشئ بها كلمات ليست كالكلمات، ونمنّي أنفسنا بأن نترك حروفنا تتكلم بعدنا، أن نترك كلماتنا على كل لسان لأنها تحاكي آلامهم وآمالهم، وأن تنسجم حروفنا وحروفهم، ويكوّنان كلمات ليست كالكلمات مرة ثانية، وندعو بأن يحلل المولى عقدة من ألسننا، ويقوينا بمن هم أفصح منا لسانًا لنوصل ما نبغي للآخرين.
وتدخل الكلمة في أدق تفاصيل حياتنا اليومية، لترد نصوصًا عدة تحثنا على اختيار الكلمة الطيبة، وتبين لنا فوائدها، (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) البقرة 83. وكيف أنها تسري وتدخل القلوب مباشرة، (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ) إبراهيم 24. فالكلمة الطيبة كالغيث إن حلت في أرض خصبة أينعت، وإن حلت في أرض جرداء رطبت الأعماق وسارت حيث يريد لها الله، وإن بقيت في الأفق طويلًا لا بد وأن تلقى أذنًا تعيها، حتى ولو استحالت صدى، وكذلك اتّقاء النار يكون بكلمة «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ «وعندما سأل معاذ الرسول إن كنا سنحاسب على أقوالنا، فكلنا نتذكر رد النبي «ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكبّ الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم».
عيسى كان كلمة الله، ونشر الهدايا بين الناس بالكلمة، وموسى كان كليم الله وأوصل الخير للبشرية بالكلمة، ومحمد حاوره المولى بـ «اقرأ» تلك الكلمة التي غيرت مجرى التاريخ، وسلاح الكتّاب كلمة، والحرية كلمة، والشهادة كلمة، والنصر أيضًا كلمة، والثورة كلمة، و «ارحل» كلمة، وكلمة واحدة هزّت أركان الطاغية، والمعتقلون غيّبوا خلف القضبان لأجل كلمة، وبالانتخابات لا يطلب منك إلا كلمة، فالمبايعة كلمة، والرفض أيضًا كلمة، والحكمة كلمة، ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا، وقضاء الله هو الكلمة، ومحور العديد من الكتب والأبحاث عن طرق نتكلم بها لنربح أصدقاءً وقلوبًا وعقولًا تسمع كلماتنا، وحتى غالبية مشاكلنا سببها كلمة.
تحيطنا الكلمات من جميع الجوانب، وأحيانًا يغدو الصمت أبلغ من الكلام ذاته، وقد تقلب كلمة واحدة حياتنا فتحيلها جنة نضرة، أو نارًا مستعرة، فهل نحن حريصون على تخيّر كلماتنا قبل أن تخرج ويسري مفعولها لدى السامع حينها نعجز عن استردادها، إذ تختلف ردة فعلنا تجاه الكلمة حسب القائل وطريقة تعبيره، وقد نجد شخصين وجهت لهما نفس الكلمة، استطاع الأول كظم غيظه، وتبرير خطأ القائل، بينما انهار الثاني غارقًا في تأويلاته لمقاصد القائل، وكذلك تختلف حسب درجة قرب رامي الكلمة منا، نعم رامي الكلمة، فالكلمة قد تغدو أحيانًا قنبلة موقوتة، ربما لا تنفجر بوقتها، ولكن تبقى سارية المفعول، تنفجر في لحظة تذكرها مرة أخرى، أو ربما في لحظة تراكم مواقف مشابهة من شخص اعتاد اللامبالاة في إلقاء كلماته، فالحب والحزن والفراق والموت والولادة والصداقة والوفاء والإخلاص والأمانة والصدق تبقى مجرد كلمات لا تسمن ولا تغني من جوع إن جردت من معانيها، وقد ننتظرها أحيانًا من أشخاص بأم أعينهم، أو ربما نتجاهلها إن بدرت من أشخاص لم يخطروا لنا ذي بدء.
الكلمة تخيف وبعض الكلمات ترعب، الكلمة مسؤولية، فقد تتزاحم كلمات تكاد تخنقنا ولا نقولها، وتبقى مجرد كلمات، كما قال عبد الرحمن الشرقاوي عدة كلمات «الكلمة نور، وبعض الكلمات قبور، ما دين الله سوى كلمة، ما شرف الرجل سوى كلمة، مفتاح الجنة في كلمة، ودخول النار على كلمة، الكلمة فرقان ما بين نبي وبغي، بالكلمة تنكشف الغمة، الكلمة نور ودليل تتبعه الأمة، الكلمة زلزلت الظالم، الكلمة حصن الحرية».
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :