المركزي “يدّلس” في سعر الصرف.. الليرة تنتظر “المجهول”

  • 2017/08/27
  • 2:33 ص
رجل يحمل عملة سورية من فئة الف ليرة إلى جانب عملات أجنبية (AFP)

رجل يحمل عملة سورية من فئة الف ليرة إلى جانب عملات أجنبية (AFP)

عنب بلدي – مراد عبد الجليل

أطلق حاكم مصرف سوريا المركزي، دريد درغام، وعودًا بمفاجآت قريبة لليرة وتحسّن سعر الصرف، بالرغم من استمرار تراخي مفاصل الاقتصاد الرسمي وعدم تحرك عجلة الإنتاج، باستثناء ما يصرح به مسؤولو الاقتصاد في حكومة النظام، إعلاميًا، بأن عجلة الإنتاج دارت وأن شركات أجنبية بدأت تتهافت على سوريا بعد تحسن اقتصادها.

الوعود جاءت بعد تحسّن سعر الصرف أمام الدولار، الأسبوع الماضي، لأسباب أرجعها مركز” دمشق للأبحاث والدراسات” (مداد)، إلى افتتاح معرض دمشق الدولي بنسخته الـ59، بعد ست سنوات من التوقف، ما أدى إلى ارتفاع نسب الإشغال الفندقي في دمشق، نتيجة حجوزات المشاركين في المعرض إضافة إلى أسباب أخرى.

لكن وزير المالية السابق في الحكومة السورية المؤقتة، الدكتور عبد المنعم حلبي، نفى في حديث إلى عنب بلدي، أن يكون المعرض سببًا في تحسن سعر الصرف.

وأرجع حلبي سبب التحسن إلى تدخل المصرف المركزي، غير المعلن، في عمل المصارف التجارية العامة والخاصة، وممارسة ضغوط عليها للعمل على حد القيود المفروضة على معروضها من الدولار واعتماد ورقة الألفي ليرة الجديدة، إضافة إلى انحسار العمليات العسكرية وشعور الناس بوجود مستقبل قريب أكثر استقرارًا ما أثر على طلبهم من الدولار، وزيادة هامش مقتنياتهم وطلبهم على الليرة السورية، إلى جانب انخفاض الدولار عالميًا، الأسبوع الماضي.

ثبات سعر الصرف “وهمي”

بعد سنوات من تدهور الليرة السورية وتذبذب سعر الصرف ووصوله إلى حدود 600 ليرة، استقر منذ عام تقريبًا عند مستويات قريبة من 520 ليرة بنسبة تذبذب 5%، بحسب قول حاكم المركزي الذي أرجع، عبر صفحته في “فيس بوك”، سبب الاستقرار إلى “الانتصارات الميدانية ووعي المواطنين ودعمهم لعملتهم الوطنية وعدم الانجرار وراء الحملات الدعائية التي خابت محاولات المغرضين بالترويج لها في الأشهر الماضية”، إضافة إلى “توجيه الجهود الحكومية كل الدعم المتاح للعملية الإنتاجية والصناعية، ما سمح بدوران أسرع لعجلة الإنتاج”.

الدكتور حلبي اعتبر أن ثبات سعر الصرف “شكلي”، ولا يمكن وصفه بأنه مستقر، بل “انخفض إلى أدنى مستوى له عند نقطة الإشباع انطلاقًا من المؤشرات الاقتصادية الأساسية المتمثلة بمستوى الناتج المحلي الإجمالي”، إضافة إلى ثبات الاحتياطي النقدي عند أدنى مستوى ممكن نتيجة تأمين تسهيلات ائتمانية من قبل إيران، مشيرًا إلى أن القيمة الحقيقية لليرة السورية انخفضت بمعدل 20%، العام الماضي، نتيجة التضخم في أسعار السلع والخدمات في السوق السورية.

من جهته، أكد الباحث الاقتصادي يونس الكريم أن سعر الصرف وهمي، ولا يعبر عن حالات السوق لأن ميزان المدفوعات غير سليم وخاسر، كون الصادرات متوقفة بالكامل واعتماد النظام على المساعدات والديون.

وأرجع الكريم سبب استقرار سعر الصرف العام الماضي إلى أمرين: الأول تحديد السقف من قبل حكومة النظام والحفاظ على السعر، لأن الميزانية العامة لعام 2017 قدرت بسعر صرف قريب من 500 ليرة، وبالتالي ترك الليرة ترتفع أكثر يضر بكتلة رواتب العاملين في المؤسسات الحكومية والميليشيات الموالية للنظام الممولة بالليرة، إضافة إلى أن تدهور الليرة أكثر يؤدي إلى دخول لاعبين جدد على الاقتصاد السوري وشراء الأراضي والعقارات وهذا ما لا يريده النظام، أما الأمر الثاني فأرجعه إلى قرار دولي لمنع انهيار الاقتصاد السوري، خوفًا من زيادة التضخم وعدم القدرة على التحكم به.

وعود “خلبية” بتحسن الليرة

درغام وعد بمفاجآت في تحسن الليرة قريبًا، لكن الكريم اعتقد أنه غير قادر على فعل ذلك، لعدم إمكانية المصرف المركزي التدخل في السوق لضعف احتياطه النقدي، الذي يقدر بنحو 700 مليون دولار في الخزينة، إضافة إلى أن الصناعة متوقفة والزراعة محطمة، وآبار النفط التي سيطر عليها النظام غير قادر على تشغيلها مباشرة، لحاجتها إلى قطع غيار من دول تفرض حصارًا على سورريا كالدول الأوروبية وأمريكا.

من جانبه أكد الوزير السابق عبد المنعم حلبي عدم قدرة النظام على تحسين سعر الصرف، إلا إذا حصل على دعم خارجي أو على منافع سياسية أكبر من التكلفة التي يجب دفعها لرفع سعر صرف الليرة، معتقدًا أن “النظام يدلّس هنا على المواطنين، لعدم إظهار الدور الحقيقي للمصرف المركزي بمواجهة معدل التضخم والحفاظ على سعر الصرف الحقيقي، وتوجيه الأنظار والإعلام نحو سعر الصرف الاسمي السوقي، فالأسعار ارتفعت أكثر بكثير من ارتفاع سعر الدولار، وهذا الفرق يثبت مقدار التدليس والفشل الذي يمثله المصرف المركزي”.

وحمّل الوزير حلبي النظام مسؤولية تدهور الليرة، عندما عمل على عكس الأضرار الاقتصادية الناجمة عن سياسته الأمنية على المواطن، وتحميله أعباء التبعات والارتدادات التي تأثر بها الاقتصاد السوري، في ظل غياب المعارضة وفرض نوع من الرقابة الدولية على إجراءات وسياسات النظام، فيما يتعلق بممارساته لتأمين موارد اقتصادية غير شرعية لمؤيديه.

واعتبر أن سعر الصرف كان أحد أدوات الخراب التي شنها النظام على الشعب السوري، إذ عمل على تحصين مؤيديه بتسهيلات مصرفية سرية وخاصة ومزايا شراء مباشر لم يتم طرحه في المزادات العلنية من قبل المصرف المركزي، الذي لم يقم بلعب الدور الحقيقي المتوجب عليه في مواجهة التضخم بالأدوات التي يمتلكها مباشرة، بسبب أثر انخفاض القيمة الحقيقية لليرة في الضغط على مستوى معيشة المواطنين.

خدم ذلك سياسة النظام في الدفع بالكثير من المواطنين للاختيار بين الهجرة أو التطوع في ميليشياته العسكرية، بحسب الوزير السابق، إضافة إلى التحويلات المالية الخارجية التي يرسلها اللاجئون إلى عائلاتهم من أجل مجاراتهم الواقع المعيشي الصعب، ما يحقق مكاسب للنظام، خاصة وأنها تقدر بنحو أربعة ملايين دولار يوميًا.

الدولرة الجزئية هي الانتقال إلى التعامل بالدولار لمرحلة قصيرة، على مستوى تجار الجملة والموردين، وهذا يعكس استقرارًا في السوق وانخفاضًا في أسعار السلع، لأن التعامل بالليرة يرفع أرباح الوسطاء للخوف من تذبذبها والخسارة.

واقترح موقع “الاقتصادي” المتخصص، منذ عام 2012، الانتقال إلى الدولرة الجزئية حتى على مستوى تجار نصف الجملة.

وبهذه الطريقة يتم التقليل من عوامل المخاطرة في ذبذبة سعر الصرف إلى أكثر من 66%، بحسب “الاقتصادي”، إذ تشمل الثلثين: المورد وتاجر الجملة ونصف الجملة.

توقعات باستمرار انهيار العملة

وعود درغام دفعت مؤيدي النظام السوري، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلى الدعوة لبيع الدولار وشراء الليرة متوقعين تحسنها في الأيام المقبلة، لكن حلبي توقع انخفاضًا جديدًا في سعر الصرف إذا ما فُتحت من جديد أبواب الاستيراد والتصدير، لأن الاحتياجات للخارج، والتي يجب استيرادها في المرحلة المقبلة، أكبر من القدرات الإنتاجية للسلع التي يمكن تصديرها.

واعتقد أن تحسن الليرة سيؤثر إيجابًا بمستوى معين ولفترة محدودة، مشيرًا إلى أن الأثر الأكبر والمديد في ذلك يتوقف على الدعم الخارجي في ملف إعادة الإعمار والسياسات الاقتصادية والتنموية التي سيتم اتباعها مستقبلًا.

ويؤديه الباحث يونس الكريم، الذي أوضح أن إعادة الإعمار تستوجب استيراد مواد السلع من الخارج، خاصة مع عودة اللاجئين السوريين، ما يزيد الطلب على السلع، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة الطلب على الدولار لاستيراد هذه السلع.

وتوقع الكريم استمرار انهيار الليرة وصولًا إلى الدولرة الكاملة، بسبب عدم اهتمام النظام والمعارضة بالشأن الاقتصادي أو النقدي.

ولتحسن سعر الصرف في المرحلة المقبلة اشترط الباحث توفر عدة عوامل، أولها وجود حكومة انتقالية واعية سواء كانت نظامًا أو معارضة، والتي يجب أن تفرض على شركات إعادة الإعمار التعامل بالليرة، إضافة إلى ضبط إصدار العملة وكتلة الرواتب وتشغيل المعامل، والعمل على استصلاح الأراضي، وهذا الأمر يحتاج إلى ما لا يقل عن خمس سنوات، مشيرًا إلى الحاجة إلى الدولرة الجزئية خلال هذه المرحلة، لأن تحسن الليرة خلال المدى المنظور صعب.

واعتبر كريم أن فرض مناطق “تخفيف التوتر” نتيجة الاتفاق بين روسيا وأمريكا ونجاحها ووصول المعارضة إلى حكومة ثنائية، سيقود إلى الدولرة الكاملة، لأن المعارضة لا تملك أي فكرة عن الدولرة الجزئية، نتيجة احتياج المواطنين إلى مختلف السلع الاستهلاكية وإعادة الإعمار، وبالتالي لن تُسعّر السلع مرة أخرى بالليرة، ما يحتاج إلى زمن طويل لإعادة فرضها.

أما في حال استمرار الحرب وعدم الوصول إلى تسوية سياسية فإن النظام سيبقى بحاجة إلى الدولار، متوقعًا أن يرتفع سعر الصرف بشكل اسمي بين 590 و650 ليرة للدولار الواحد.

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية