أورفة – برهان عثمان
لا جديد في يوميات محافظتي الرقة ودير الزور، سوى ازدياد أعداد الضحايا وحجم الدمار والنزوح، مع استمرار المعارك في المنطقة والتجهيز لأخرى قريبًا. “هذا العار” كما يصفه ناشطو المحافظتين، يأتي في إطار مصالح دولية وإقليمية، أساسها قتال تنظيم “الدولة الإسلامية”، وسط تجاهل مصير آلاف المدنيين.
لم تفلح صور الدمار والقتل الواردة من المنطقتين، في إيصال صوت الأهالي لإيقاف المعارك، فظلّ ضجيج الأسلحة يعلو صراخ المدنيين، مع صعوبات تقف عائقًا أمام توفير ملجأ وممرات آمنة لهم، بعيدًا عن جبهات القتال، “فالتحرير لا يكون بتدمير المدن وقتل أبنائها أو تهجيرهم، ثم إحلال مستبد مكانهم”، كما قال البعض لعنب بلدي.
ضريبة “كبيرة”
يقول الشاب حسن المحمد (23عامًا) من الرقة، إن ضريبة “تحرير” المدينة من تنظيم “الدولة” قد تكون “كبيرة”، إلا أنه يصر على أن أرقام الضحايا الواردة من هناك “صادمة وتدل على أن ما يحدث هو مجزرة لقتل المدنيين وليس عملية اقتحام مدينة “.
“نحاول بشتى الطرق أن نجد من يستمع إلينا”، يضيف حسن لعنب بلدي، مشيرًا إلى إطلاق عشرات الحملات لفتح ممرات آمنة تسمح بعبور المدنيين، قابلها “تخوّف” الأمم المتحدة، وجاء على لسان منسق الشؤون الإنسانية فيها، يان إيغلاند، الذي طالب بوقف القتال للسماح بخروج المدنيين، ووصف الرقة بأنها “أسوأ مكان على الأرض”.
وفق تقديرات ناشطي المحافظة، فإن الأحياء التي ماتزال خاضعة لسيطرة التنظيم، تضم أكثر من 20 ألف مدني، يتوزعون على خمسة أحياء في المدينة المحاصرة من جهاتها الأربع .
يُعرّج حسن في حديثه على دير الزور، ويؤكد أنها ليست أفضل حالًا من الرقة، وسط نزوح مستمر نحو البادية، مع استمرار استهداف “التحالف الدولي” للتنظيم في المحافظة.
خيارات قليلة
“لا يجد أبناء هذه الأرض الراحة والسكينة أينما توجهوا، فالشقاء مكتوب ومقدر عليهم”، يقول أبو حفص، الذي يعيش في ريف دير الزور، ويفضّل الموت “عزيزًا في أرضه”، وفق تعبيره.
خيارات قليلة أمام المدنيين يتحدث عنها الشاب، معتبرًا أن النزوح والهرب لن ينهي المشاكل، “فمصاعب الأهالي لا تتوقف على مناطق سيطرة الدولة الاسلامية، بل تتخطاها إلى المخيمات المنتشرة التي يقطنها الآلاف دون أدنى اهتمام ورعاية”.
الخوف على المستقبل ومن المصير المجهول، شيئان مشتركان يجمعان مدن الشرق السوري، وفق رؤية رانيا عبدلله (26 عامًا)، التي نزحت عن الرقة ولجأت نحو أورفة التركية قبل ثلاث سنوات.
وتقول الشابة لعنب بلدي، إن “كل ما نشعر به هنا هو العجز عن مساعدة أهلنا في الداخل”، معبرةً “لا آذان صاغية لمشكلاتنا فنحن نموت دون أن يكترث بنا أحد”، كما تصف ما يجري بأنه “جرائم متكاملة سقط فيها القانون الدولي، وبدت الإنسانية عارية من كل الشعارات الفارغة، التي ترفع على مبنى الأمم المتحدة”.
يجمع أغلب من تحدثت إليهم عنب بلدي، أن الرقة ودير الزور، اسمان لمدينتين منكوبتين، بينما لا تكترث رانيا لما يُذاع في وسائل الإعلام، على حد وصفها، “فالموت والقصف يحاصران أرواحنا المحطمة، بينما لا تجد البيانات والتنديدات أي تجاوب، ويبقى صراخنا أصداء في صحراء خاوية”.
تقرير حقوقي يوثق عمليات تعذيب وإعدام نفذتها “قسد”
وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان عمليات تعذيب وإعدام، نسبتها إلى “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، في تقرير حصلت عنب بلدي على نسخة منه، الجمعة 25 آب.
وقالت إن أساليب التعذيب وحصيلة ضحاياه على يد “قسد” ارتفعت منذ بداية عام 2016، وقد “حمل البعض منها صبغة عرقية”، فضلًا عن استمرار انتهاكات “التحالف الدولي” بحق المدنيين.
وتنفي “قسد” أي حادثة تعذيب تُنسب لها، وتقول إنها “تعمل على تحرير المدنيين من ظلم تنظيم الدولة الإسلامية”، إلا أن الاتهامات عادت إلى العلن بعد تسريبات وتسجيلات مصورة، بُثت على وسائل التواصل، نهاية تموز الماضي.
في 30 حزيران الماضي نشرت وكالة “الأناضول”، تسجيلًا مصورًا أظهر عنصرين مسلحين من “قسد”، يركلان محتجزين مكبلي الأيدي، في بلدة المنصورة غرب الرقة.
وفي 15 تموز الفائت انتشر، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تسجيل مصور أظهر عناصر مسلحين يطلقون النار بشكل مباشر، على شخص مكبّل اليدين إلى جانبه جثتان، قال فيه أحد العناصر “هذا مصير كل من يحارب حزب YPG (الاتحاد الديمقراطي الكردي) ومصير كل من ينتمي لتنظيم داعش”.
وتحدث التقرير عن حادثة مقتل الرجل الثمانيني أحمد زينو، لافتًا إلى أن الشبكة حصلت على صور لجثته وأظهرت طلقًا ناريًا في كتفه الأيمن، في 21 تموز الماضي، بعد أن كانت سجّلته في قائمة الضحايا 24 حزيران الذي سبقه، إثر تعرض منزله في حي الرميلة للقصف.
تقول الشبكة إن سجل “قوات سوريا الديمقراطية” حافل بالانتهاكات، وعمليات القتل خارج نطاق القانون، إضافة إلى الهجمات العشوائية “عديمة التمييز” وعمليات الاعتقال التعسفي بحق المدنيين.
وتسببت عمليات القصف العشوائي من “التحالف” و”قسد”، بفرار عشرات الآلاف من الأهالي، واضطر معظمهم للبقاء في مناطق صحراوية غير مجهزة للنزوح، بينما قدّرت الشبكة عدد النازحين من الرقة بحوالي 120 ألف نسمة، من مجمل مناطق المحافظة.