ما قيمة النص؟

  • 2017/08/27
  • 1:39 ص
محمد رشدي شربجي

محمد رشدي شربجي

محمد رشدي شربجي

مع صعود تنظيم الدولة وحجم البشاعة التي تقيأ بها على العالم، بدأ يظهر خطاب يدعو إلى مراجعة الإسلام بما هو الإسلام، فلم يعد مقبولًا الحديث الدائم عن مسلمين لا يُحسنون تطبيق الإسلام ويشوهونه دون اتفاق بالحد الأدنى عمن يطبق الإسلام أساسًا، وكما يقول أحد الكتاب “نريد للإسلام الحقيقي أن يظهر لمرة واحدة، ثم ليختفي بعدها لا مشكلة”.

اعتراضي الوحيد على هذا الخطاب أنه يعطي أهمية كبيرة للنصوص في تفسير المجتمعات الإسلامية، وكأن هذه المجتمعات هي أشبه بروبوتات آلية تنفذ تمامًا ما يقوله لها البرنامج (النص)، دون اعتبار لعوامل أخرى كالاقتصاد والسياسة والبيئة والطبقة الاجتماعية، التي تحكم أي مجتمع في العالم بما فيها المجتمعات الإسلامية.

وهذا الفهم “النصوصي” للمجتمعات الإسلامية قريب من الفهم الاستشراقي للشرق، كما أشار له إدوارد سعيد في كتاب “الاستشراق”، والذي ينقل فيه بهذا الخصوص عن فولتير قوله إنه ثمة مغالطة في أن يفترض أن الفوضى الهائجة، الإشكالية، التي لا يمكن التكهن بمساراتها، والتي يعيش فيها الإنسان يمكن أن تُفهم على أساس ما تقوله الكتب- النصوص.

منذ سنوات سيطرت السلفية الجهادية على مناطق المعارضة السورية، ومع أنها جميعًا تستقي من ذات المصادر والمناهج الفكرية، ومن الصعب على الدارس أن يجد فوارق منهجية جوهرية فيما بينها، إلا أن أهم ما يميزها جميعًا قدرتها العجيبة على إسالة الدماء فيما بينها لأتفه الأسباب.

وبعيدًا عن الكلام المكرّر الضروري عن ضرورة مراجعة الإسلام ودوره وأهميته ونصوصه، إلا أنه من الاستحالة بمكان على أي قارئ بسيط ألا يجد عشرات النصوص الموثقة التي تحرم قتل المسلم لأخيه المسلم متوعدة إياه بأقصى العقوبات، ولكن لماذا يفعل هؤلاء ما يفعلونه إذن؟ لماذا يكذبون ويسرقون وينهبون ولا يتورعون في سفك دماء بعضهم إلى هذا الحد؟

لنذهب شمالًا إلى حيث يستقر أردوغان، الزعيم الأكثر شعبية في العالم العربي باعتقادي، معروف أن نجمه بزغ بعد سنوات من الإنجاز نقل فيها تركيا إلى مصاف الدول المتقدمة، وغيره من الكلام الذي نسمعه كل يوم، الرجل يقول عن نفسه إنه علماني دون مواربة كلما سئل عن ذلك، ويتبنى سياسة اقتصادية ليبرالية لا تختلف عن الموجود في ألمانيا أو فرنسا، ويتبنى سياسة خارجية قومية كما تفعل أي دولة أخرى، يقيم العلاقات مع إسرائيل الكيان الصهيوني المسؤول بشكل مباشر عن جزء كبير من مآسي الشرق الأوسط. ومن الاستحالة بمكان على أي قارئ بسيط ألا يجد عشرات النصوص الموثقة التي ترى في فعل أردوغان كفرًا صريحًا، ومع ذلك ينال الرجل شعبية لا تبارى بين المسلمين والإسلاميين على حد سواء، فكيف يمكن تفسير ذلك؟

في سوريا انتشر التطرف بشكل ملحوظ خلال السنوات الخمس الأخيرة، فهل اكتشف السوريون فجأة نصوصًا لم تكن معروفة لديهم؟ أم هي آثار براميل الأسد المدعومة دوليًا؟ ولكيلا يساء الفهم فإنني شخصيًا أعتقد أنه من الضروري خوض هذه المراجعات الحادة في الموروث الإسلامي، وفي القلب من هذه المراجعات يجب أن تكون قضية قتل المرتد، القضية التي لم يقتل بسببها حتى الآن إلا المسلمون أساسًا، ولكن من الخطأ الاعتقاد بأن تغيير النصوص أو تغيير فهمها سيحل كل المشكلات إذا لم تتغير بقية الظروف، فهذه طريقة أوصلتنا بالنهاية إلى قناعة عالمية بأن مشكلة سوريا اليوم هي داعش والنصرة وليس بشار الأسد، الذي يجب التعاون معه، كما يخبرنا العالم المتحضر اليوم للقضاء على “الإرهاب”.

مقالات متعلقة

رأي

المزيد من رأي