عنب بلدي – خاص
تقترب أيام معرض دمشق الدولي المقام على مشارف العاصمة دمشق من نهايتها، بعد مضي عشرة أيام من فعاليات اقتصادية، أراد منها النظام السوري إظهار العاصمة كـ “منطقة مستقرة وآمنة”.
بالعودة إلى السنوات الأولى للثورة السورية في محيط العاصمة دمشق، شهدت مدينة المعارض، التي احتوت المعرض، سجالًا عسكريًا بين فصائل “الجيش الحر” وقوات الأسد، بعد تقدم كبير للأولى على طريق مطار دمشق الدولي، وسيطرتها على مناطق “استراتيجية” شلّت حركة الأسد حينها.
ونتتيجة التطورات التي بلغت ذروتها مطلع عام 2013، توقفت فعاليات المعرض بشكل نهائي لنحو خمس سنوات، حتى آب الجاري، لتعود حاليًا في دورتها الـ 59، بعيدًا عن تهديدات عسكرية حقيقية.
وتعرض عنب بلدي سردًا للأحداث الميدانية والعسكرية التي مرت فيها منطقة طريق المطار، بدءًا من نفوذ فصائل المعارضة، وصولًا إلى هيمنة قوات الأسد والميليشيات المساندة له.
2013.. عام نفوذ “الحر“
شكلت الفترة الممتدة من أيلول 2012 وحتى شباط 2013 مرحلة ذهبية لفصائل ريف دمشق، فنجحت بتكوين هلال يلفّ العاصمة من ثلاث جهات (الغربية والجنوبية والشرقية)، وأصبحت المنطقة الممتدة من معضمية الشام في الغوطة الغربية، وحتى عدرا البلد في الغوطة الشرقية تحت سيطرة المعارضة.
ونجحت المعارضة حينها بوضع يدها على أجزاء واسعة من طريق مطار دمشق الدولي، بسيطرتها على بلدتي شبعا وحتيتة التركمان المطلتين على الطريق الحيوي، وضيقت خناقها على المطار بتعزيز نفوذها في بلدتي حران العواميد والغزلانية المحاذيتين له، وباشرت فعليًا بالتمهيد لاقتحامه عبر استهدافه بالمدفعية والصواريخ، دون أن تتمكن من ذلك.
وشكّلت حتيتة التركمان، التي سيطرت عليها الفصائل، المنفذ والبوابة الأخيرة إلى طريق مطار دمشق الدولي، وحولتها المعارضة المسلحة العاملة في المنطقة إلى منطلق للهجمات على مواقع قوات الأسد المنتشرة على طريق المطار بين الجسرين الرابع والسادس.
كما أنها كانت نقطة تقدم من عمق الغوطة الشرقية تجاه طريق المطار الرئيسي.
ودخلت فصائل المعارضة إلى منتجع القرية الشامية الواقع على طريق المطار، قرب الجسر السابع امتدادًا إلى قرية الغسولة، وعرضت تسجيلات مصورة من داخل المنتجع، الذي يقع بمحاذاة مدينة المعارض، الأمر الذي اعتبر ضربة عسكرية كبيرة للنظام السوري آنذاك، وأظهر ضعف التنسيق العسكري في محيط المطار الدولي “الاستراتيجي”، والذي أصبح حينها تحت ضربات المعارضة بشكل مباشر.
معركة للأسد أمّنت الطريق
قرية الغسولة كانت النقطة الأخيرة في تقدم فصائل المعارضة، إذ لم تمض أيام على التقدم الكبير الذي أحرزته، حتى أطلقت قوات الأسد وميليشيا “حزب الله” المساندة لها عملًا عسكريًا معاكسًا لتأمين طريق المطار الدولي والمناطق المحيطة به.
وشكلت استعادة قوات الأسد منطقة السبينة جنوب دمشق في تشرين الثاني 2013، نقطة تحول مفصلية في دمشق وريفها، وسقطت مدن وبلدات الغوطة كأحجار الدومينو خلال أشهر، كان أبرزها البويضة، الحجيرة، شبعا، حتيتة التركمان، الغزلانية، حران العواميد، العتيبة، العبادة، قيسا، ودير سلمان.
وخسرت الفصائل أيضًا مدينة المليحة في عمق الغوطة، ومدينة عدرا ومساكنها ومنطقتها الصناعية شمالها، في آب وأيلول من عام 2014.
وحقق النظام السوري من خلال هذه العملية هدفين سعى إليهما: الأول هو تأمين الطريق الواصل بين مدينة دمشق والمطار الدولي في الجهة الشرقية، والثاني هو فصل كامل للغوطة الشرقية عن الغربية، وعزل منطقة جنوب دمشق، ثم إطباق الحصار على المناطق الثلاث في مرحلة لاحقة، تمهيدًا لاستهداف كل منطقة على حدة، وإرغام الفصائل على القبول بهدن ومصالحات.
وبعد أن أنهى النظام ملف بلدة المليحة (قرب المطار وتبعد خمسة كيلومترات عن العاصمة) في آب 2014، عقد مصالحات في بلدات عقربا وشبعا وحتيتة التركمان والحسينية، الأمر الذي كان وسيلة إضافية للتأكيد على تأمين الطريق الحيوي.
لم تتوقف عمليات الأسد العسكرية على القرى المحاذية للمطار فقط، بل امتدت إلى ما بعدها، إذ سيطرت قوات الأسد على كل من دير العصافير، مزارع بالا، بالا القديمة، زبدين، ونولة، ليقطع حلم المعارضة في الوصول إلى العصب الرئيسي للمطار بشكل نهائي.