عنب بلدي – درعا
لم يكن في حسبان أحمد أنه سيُضطر في يوم من الأيام للتخلي عن مهنته التي تربى عليها منذ صغره في إصلاح المكيفات، والانتقال لمهنة أخرى تتعلق بصناعة الثلج الجاف، وذلك على خلفية انقطاع الكهرباء عن المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في درعا، وما تبعه من غياب الأعمال المرتبطة بمهنته السابقة.
ونشطت المهنة الجديدة، المعروفة أيضًا بصناعة الثلج الأبيض أو المُملّح، بشكل كبير في فصل الصيف، كوسيلة لتوفير المياه الباردة للأهالي.
“الثلج الجاف أصبح حاضرًا في كل البيوت للتعويض عن البرادات والثلاجات، التي أصبح تشغيلها صعبًا في ظل انقطاع الكهرباء”، يقول أحمد، مؤكدًا أنه رغم حداثة هذه المهنة التي لم يكن لها أي وجود قبل سنوات، إلا أنها اليوم تشهد انتشارًا كبيرًا.
عشرات الأطنان لتلبية احتياجات المنطقة
ويوضح الشاب لعنب بلدي أنه “تم افتتاح عشرات المعامل لإنتاج الثلج الجاف في معظم المناطق المحررة، وقدرت القيمة الإنتاجية لها بعشرات الأطنان بشكل يومي”، مشيرًا إلى أنها أسهمت في إيجاد فرص عمل لشباب المنطقة.
ويؤكد أنه يُنتج في ورشته قرابة ستة أطنان من الثلج الجاف يوميًا، مقسمة على دفعتين و”ورديات”، ويعمل في كل “وردية” خمسة عمال، بالإضافة إلى أشخاص يتولون نقل المكعبات للسوق وتوزيعها.
يحتاج العمل لإنشاء مكعبات الثلج الجاف 12 ساعة تقريبًا، وتُستخدم في عملية التثليج المياه الصالحة للشرب، إلى جانب الملح ليساعد على تماسك المكعبات، ليتم فيما بعد وضعها في آلات تبريد بدرجة حرارة تصل إلى 15 تحت الصفر.
ويضيف الشاب أن الآلات تصنع المكعبات بأحجام موحدة، إذ يبلغ طول المكعب مترًا واحدًا، بارتفاع 30 سنتمترًا وعرض 50 سنتمترًا، ويتم تقسيمه إلى مكعبات أصغر حجمًا يبلغ وزنها بين أربعة إلى ثمانية كيلوغرامات، لتباع فيما بعد في الأسواق.
وتختلف أسعار المكعبات بناء على عوامل عدة، منها درجة حرارة الجو، ويبلغ متوسط سعر المكعب الصغير 250 ليرة سورية. (الدولار يعادل قرابة 500 ليرة).
ولا يخشى أحمد من اندثار مهنته الجديدة، فلا بوادر لعودة الكهرباء إلى المناطق الخاضعة للمعارضة، موضحًا أن “هناك كثيرًا من المخيمات التي يعتمد قاطنوها على مكعبات الثلج للحصول على المياه الباردة، وتكمن المخاوف في حصول أي انقطاع للمحروقات أو ارتفاع أسعارها، بعد أن انقطعت طرق المحروقات إلى الجنوب”.
البوظة إلى جانب الثلج
وإلى جانب مكعبات الثلج، أنشئت في محافظة درعا معامل ومحلات لبيع البوظة، كوسيلة يراها الأهالي عاملًا مساعدًا، في ظل ارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف.
وكغيرها من المهن تعرضت هذه الصناعة إلى انتكاسة بسبب انقطاع الكهرباء، وبات العاملون فيها يعانون في سبيل الحفاظ على استمراريتها، معتمدين بذلك على بدائل كمولدات الكهرباء والطاقة الشمسية، والتي ألقت بتبعاتها على الأسعار.
أبو حسن الرفاعي، أحد العاملين في هذه المهنة، يشير إلى أن “من يرغب في العمل بصناعة البوظة ضمن المناطق المحررة عليه التأقلم مع التحديات الجديدة، والتي يعتبر تشغيل الثلاجات أهمها”.
ألواح الطاقة الشمسية كانت عاملًا مساعدًا لبعض البائعين، إذ تغطي البطاريات التي يتم شحنها بالطاقة الشمسية حاجة أصحاب المعامل والماكينات الصغيرة والمتنقلة، لكنها في المقابل لا تستطيع تلبية حاجات الثلاجات الكبيرة وأصحاب المعامل، الذين يعتمدون على مولدات الكهرباء بشكل رئيسي، الأمر الذي انعكس على الأسعار.
كثيرة هي المهن والصناعات الجديدة التي أفرزتها الحرب في سوريا، وارتبط معظمها بشكل أو بآخر بانقطاع الكهرباء عن الأهالي، حيث فشلت هيئات المعارضة وفصائلها في السيطرة على موارد ومحطات توليد الكهرباء في المنطقة الجنوبية، لتبقى محصورة بيد النظام، الذي حوّلها نحو مناطق سيطرته.