اجتمعت في الرياض مؤخراً الهيئة العليا للمفاوضات مع ممثلين عن منصتي القاهرة وموسكو، والهدف كما قيل، توحيد رؤية وفد المعارضة قبل اجتماعات جنيف المقبلة والمقرر انعقادها في أيلول المقبل من اجل تحقيق تقدم في موضوع الحل السياسي في سوريا على ما أكدت مصادر مقربة من مبعوث الأمم المتحدة ستيفان ديمستورا.
وجاءت اجتماعات الرياض بعد اخذ ورد، واشتراطات، سبقتها لقاءات تكررت في جنيف وغيرها في الأشهر الأخيرة، ورافقتها جهود إقليمية ودولية، لتأمين توافق الأطراف الثلاثة على أوراق موحدة او متقاربة على الأقل حول الموضوعات الأساسية المتضمنة او المتصلة بموضوع الحل السياسي في سوريا، وهو امر كان ضرورياُ كل الوقت وفي المستقبل أيضاً، ولايمكن الذهاب الى حل سياسي دون جمع ما أمكن من قوى المعارضة السورية في مواجهة وفد النظام في الحلقة الإقليمية الدولية للحل السوري.
غير ان تحقيق ذلك مرهون بتوفير مستوى من التمثيل السياسي في الأطراف المشاركة في هذه الجهود. واذا كان للهيئة العليا للمفاوضات وزن ما، كونها منبثقة عن مؤتمر المعارضة السورية المنعقد في الرياض أواخر العام 2015 بمشاركة ممثلين عن أكثرية قوى المعارضة السياسية والعسكرية السورية، فان منصتي القاهرة وموسكو تفتقدان لادنى درجات التمثيل السياسي لقوى المعارضة، وبالتالي فان وجودهما الى جانب الهيئة العليا للمفاوضات، يعطيهما وزناً وحجماً أكبر بكثير مما هما عليه، هذا باستثناء المشاكل السياسية المحيطة بكل منهما.
منصة موسكو وتمثل تحالف الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير، واساسه اطراف وشخصيات في النظام واخرى “معارضة” مقربة منه، ابرز مكوناتها حزب “الإرادة الشعبية” بقيادة قدري جميل المقرب من موسكو، وقد شغل منصب نائب رئيس وزراء للشؤون الاقتصادية في وزارة الأسد التي تشكلت في العام 2012، والحزب “السوري القومي الاجتماعي” بزعامة علي حيدر وزير المصالحة الوطنية في حكومة الأسد الحالية، و”طريق التغيير السلمي” الذي يقوده فاتح جاموس القيادي السابق في حزب العمل الشيوعي، ولم يظهر التحالف أي تعارض سياسي لسياسات النظام، ومثل جسراً لعلاقات النظام مع حليفه الروسي، وأطلق منصة موسكو مع آخرين بهدف المشاركة في مفاوضات جنيف.
وباستثناء الوضع الهامشي للمنصة بسبب مواقفها الهشة من النظام وسياساته وعلاقاتها الخاصة مع موسكو، فان خلافات وصراعات داخلية أحاطت بها، جعلت قدري جميل يحكم قبضته عليها، ليكون رئيسها، ويعين قيادياً في حزب “الإرادة الشعبية”، رئيساً لوفد المنصة إلى مفاوضات جنيف.، وقد لخص فاتح جاموس في رسالة كتبها مؤخراً وضع جبهة “التغيير والتحرير”، التي تمثلها منصة موسكو بأنها في “وضعية انتظارية لدور القوى الخارجية، والحلول التي ستفرضها، ووضعية الصمت ومجاملة النظام في نهجه برفض مسار الحوار الوطني الداخلي”.
وبالمقابل فان منصة القاهرة، التي يفترض انها تمثل مؤتمر المعارضة السورية المنعقد في القاهرة صيف العام 2015، فانها لاتتصل به الا باسمها، وماتقوله من ايمان بوثائق مؤتمر القاهرة. ومنذ نحو عامين توقف نشاط لجنة المتابعة التي عينها مؤتمر القاهرة، والتي يفترض ان تكون مرجعية منصة القاهرة، وسبب توقفها خروج غالبية أعضاء اللجنة منها، اما بسبب انسحاب من يمثلون من قوى وجماعات سياسية بينهم ممثلو المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي (pyd) والمنظمة الاثورية الديمقراطية، وهيئة التنسيق الوطني وتيار قمح، وغالبية الكتلة الديمقراطية في الائتلاف الوطني السوري، وابتعاد عدد من الشخصيات المستقلة. واذا استثينا وجود تيار الغد السوري في منصة القاهرة وشخصية مثل جمال سليمان، فليس هناك منصة ولا لجنة لمؤتمر القاهرة الذي صار في عالم الغيب.
خلاصة الامر، فان منصتي موسكو والقاهرة، ليس لهما قوة تمثيلية في الواقع حتى مقارنة بالهيئة العليا للمفاوضات باعتبارها ممثلة المعارضة للتفاوض مع النظام، وقد أُسست لهذا الغرض، ولديها اعتراف دولي واقليمي، رغم ان قوى سورية وإقليمية ودولية، تغمز من قناة ضعف تمثيلها السياسي والعسكري للمعارضة، الامر الذي يدفع الى سؤال عن اهمية المنصتين ودورهما، وكلها لاتتعدى صلة بعاصمتين مواقفهما معروفة ومعلنة من القضية السورية، وبدا من الطبيعي، ان يؤكد وفدا القاهرة وموسكو في اجتماعات الرياض، موقف العاصمتين الحساس إزاء مصير الأسد وطبيعة الانتقال السياسي في مواجهة ما قيل عن تشدد في موقف الهيئة العليا حول رحيل الأسد وطبيعة الحل السياسي.
ربما كان المطلوب في الرياض خطوة اكبر مما تم القيام به بدعوة أوسع لجماعات وشخصيات من المعارضة للبحث ليس فقط في موضوع مفاوضات جنيف المقبلة، ولا في موضوع الرياض2 الذي يجري الحديث عنه، انما لتقييم المرحلة التي تمر بها القضية السورية والتحديات التي تواجهها، ووضع سيناريوهات لما يمكن القيام به للوصول الى حل للقضية بالتعاون مع القوى الدولية والإقليمية المنخرطة والمهتمة بالموضوع السوري.