عنب بلدي ــ العدد 115 ـ الأحد 4/5/2014
ما إن يهدأ المساء وينتهي شرب الشاي أو الكولا حتى يهمس في أذنك أحد الأصدقاء: هل انتبهت إلى خيوط المؤامرة التي تحاك في الخفاء؟
في مجتمعنا المتصحر جغرافيًا وسياسيًا، الأصم والفقير بالعلامات والإشارات، لا يوجد أمامنا إلا برودة الغيران والمغارات التي تؤوي العقارب والذئاب ومختلف أنواع المتآمرين على حياتنا القويمة!
اليمينيون يترصدون اليساريين، واليساريون يترصدون اليمينيين، والمخابرات تترصد البشر، والحاكم يترصد المخابرات بمخابرات أخرى، وحتى بمخابرات خارجية إن تطلب الأمر، وغالبًا ما يتطلب الأمر ذلك.
ولأن كل مواطن يرى الحاكم كل يوم على التلفزيون ثلاث مرات على الأقل، ويقرأ سيرة الحاكم في الكتب المدرسية، ويهتف باسم الحاكم في المناسبات القومية والدينية، فإن روح الحاكم سرعان ما تسري في معظم مواطنيه الأكارم، ويصبحون شكاكين متربصين لكل نأمة أو حركة، ومرتابين بكل جديد، حتى ولو كان هذا الجديد يزيد يقظتهم ويدعم ارتيابهم بالمؤامرات التي تنسج في الخفاء. ذلك الخفاء المظلم العميق الذي لا يتحسسه إلا عبقري مثل القائد الخالد أو الحزب القائد أو ما إلى ذلك من تكوينات شمولية لا تسمح حتى بالتنفس خارج نطاق تقييماتها.
المؤامرة هي نظرية تقسم الشعب إلى فسطاطين، فسطاط أحمق جاهل لا يستحق إلا أن يساق كالقطيع، ولولا حكمة القائد كاشف المؤامرة لضاع هذا الفسطاط في البراري وقتله الجوع والعطش واختنق في الفيافي، لكن رحمة ربك والقائد العبقري وحده هو من ينفذها، وينقذ هذا الفسطاط الساذج. والفسطاط الآخر هو من فئة العقارب والأفاعي التي تندس في الجحور المظلمة لتحيك خيوط المؤامرة بحذق وبمكر وبدهاء لا يعلوه إلا دهاء القائد العظيم والمنقطع النظير!.
في نظرية المؤامرة لا ينجو إلا شخص واحد أو فئة واحدة هو الشخص أو الفئة التي تتحكم بالخيوط المربوطة في رقاب الشعب كله وبفسطاطيه، الفسطاط الغبي الساذج والفسطاط اللئيم الماكر.
وهكذا ينبلج الضوء في نهاية الظلام وتتدفق أجهزة الإعلام التي تعلن اكتشاف المؤامرة ويبدأ الاعتقال والزج والفضح والشتم للمتآمرين، جنبًا إلى جنب مع المديح والتهليل لكاشف المؤامرة. الزعيم العبقري أو جهاز الدرك العسكري أو دائرة الدراسات الخفية التي يرأسها عبقري من عباقرة هذا الوطن الذي اكتشفه وعينه في منصبه قائد الوطن!.
أما المؤامرة وكيف حدثت وما تفاصيل خيوط المؤامرة، كل ذلك يشكل أركيلة وطنية وقومية تستهلكها وسائل الإعلام وجماهير المتنفذين وأذيالهم التي كادت المؤامرة أن تزيحهم أو تنتقص من حجم مكاسبهم أو أن تسيء –لا سمح الله- إلى ولي نعمتهم الذي لا يأتيه الباطل لا من تحته ولا من فوقه، وتبقى المؤامرة هي المؤامرة!.
ملحق عن العبارات المستهلكة في كشف المؤامرة (يستطيع من عايش أجهزة الإعلام السوري، لمدة سنة واحدة على الأقل، الاستغناء عن قراءة هذا الملحق):
مؤامرة امبريالية، مؤامرة صهيونية، مؤامرة رجعية، مؤامرة صليبية، مؤامرة أمريكية غربية، مؤامرة خليجية، مؤامرة ذكورية.
بعض أوصاف المؤامرات المستهلكة:
مؤامرة خبيثة، مؤامرة حاقدة، مؤامرة غامضة، مؤامرة دنيئة، مؤامرة لا وطنية، مؤامرة شريرة…
بعض الالفاظ المستهلكة في كشف المؤامرات:
– قامت مجموعة من أبناء الوطن المخلصين بالتبليغ عن المؤامرة…
– كشفت إحدى منظماتنا الشعبية هول المؤامرة من خلال نشاطات كوادرها المخلصة..
– ترصدت أجهزتنا اليقظة عناصر المؤامرة وفاجأتهم وهم يوشكون على البدء بإشعال فتيل المؤامرة…
– قام مواطن شريف ممن استهدفتهم المؤامرة بأحابيلها وإغراءاتها الماكرة بالتبليغ عن المؤامرة، اذ أن ضميره الوطني اليقظ لم يحتمل السكوت عن هكذا جريمة نكراء توشك على الوقوع…
– شخّص الباحث الاستراتيجي المكلف من قبل القيادة هذه المؤامرة، وذلك بتتبع خيوطها الشيطانية الممتدة الى أعماق التاريخ والجغرافية الوطنية والقومية الممانعة…
– عرضت العصابة المتآمرة على رجالنا المخلصين مبالغ مالية ضخمة ولكنهم القوا القبض عليهم وأحالوهم إلى الجهات المختصة..
– تترافق كل هذه العبارات والخطابات المتصدية للمؤامرات عروض وصور فيها أكداس من الأموال الاجنبية (وغالبًا ما تكون دولارات أمريكية وشيكلات إسرائيلية)، بالإضافة إلى مستندات غامضة وكتب دعائية مما يباع على الأرصفة أو في سوق الحرامية جمعت على عجل، ناهيك عن مسدسات وبنادق آلية وعدة حشوات آر بي جي قديمة، وكمبيوترات محمولة وهواتف حديثة تشط ريالة المواطنين عليها أثناء عرضها على التلفزيون..