«حراس الفجر»… لا تدفنوا أصوات إنسانيتكم
عنب بلدي ــ العدد 115 ـ الأحد 4/5/2014
تجبرنا الحياة أحيانًا على أمور كثيرة لا نحبذها، فمثلًا العيش حاليًا دون كهرباء أو اتصالات جعل من الراديو وسيلة «الترفيه» شبه الوحيدة، وﻷنّ المحطات الإذاعية كلها بيد النظام، فإنك ستضطر لسماع ما تحب وما لا تحب من البرامج والأغاني والتحليلات السياسية…
حرّاس الفجر، هو اسم أحد البرامج الأسبوعية في إحدى المحطات الإذاعية للنظام، يتحدث البرنامج في كل حلقة عن أحد «حرّاس الفجر» ممن قضوا أثناء قتالهم ضمن صفوف جيش النظام، وﻷني كنت مشغولة ولا أستطيع تغيير المحطة اضطررت لسماع الخطب العصماء في وصف «حرّاس الموت» من عناصر جيش نذوق الموت على يديه كل يوم.
لم أتعاطف بأي شكل مع حديث المذيعة الإنشائي المدبّج، لكن صوت أم غيث أعاد لي الشعور بأني أستمع ﻹنسان -بعد صوت المذيعة الروبوتي-، دموعها ونحيبها على آخر عنقودها «غيث» لا يمكن أن تجابه ببرود فقط ﻷنها أم «عنصر من جيش النظام»، استشعرتْ أم غيث الرصاصة التي اخترقت جسد ابنها أثناء نومها، استيقظت فزعة وأخبرت ابنتها «عفراء» بأن مكروها أصاب أخاها.. لا يمكن لقلب الأم -أي أم كانت- أن يكذب، ولا يمكن لدموع أي أم ألا تثير دموع من يسمعها.
انتهى البرنامج مع أنّات أم غيث، لكن صدى كلامها الموجوع لم يتلاشى، من أي منطقة كانت، ومن أي طائفة، وإلى أي الفريقين تنتمي… لا يهم… هي أم قبل كل شيء، ولو أن الحرب تهتم بمشاعر قلوب الأمهات -كل الأمهات-، وبخوفهنّ وعاطفتهن لما كان ما كان.
لا أدّعي -على الإطلاق- أن الفريقين سواء بالحق، ولست أساوي بيننا في عدل القضية -بالطبع-، رضا أم غيث عن التحاق ابنها في جيش النظام جريمة بحقه وحقّها وبحقنا أيضًا -جريمة لن تغفرها هي لنفسها-، لكن ما نتساوى به معها: هو مشاعر الفقد والحزن على كل من رحل.
كل رصاصة تطلق في هذا البلد تلوّع أمًّا وعائلة على أحد الطرفين، كل أنّةٍ تصدر تزيد الهوّة اتساعًا، ودموع الأمهات بدل أن تستوقف من يسمعها وتثير فيه الرحمة للكفّ عن المضيّ في حرب خاسرة، باتت -للمفارقة- تثير فيه الرغبة بالانتقام.. الانتقام من أم غيث جديدة… يعلو نحيبها من جديد… لنعيد الكرّة من جديد.
رسالة بسيطة هي لكل «أم غيث» لا زال ابنها يقاتل في صفوف الجيش ضد أبناء «أم غيث» أخرى سوريّة أيضًا… الحلّ الوحيد لئلا تبكي على أحد أبنائك هو حرصك على دموع كل أم سواك، الدم الذي يراق في إحدى الجهتين يعني بالضرورة دمًا في الضفة الأخرى، ونواح ثكلى في أي جهة سيقابل بصدى تردده ثكلى أخرى في الجهة المقابلة.
هلّا تركنا للإنسانية مجالًا في قلوبنا؟
قد لا نكون مؤمنين بذات الأفكار، لكننا لا زلنا سوريين، ولا زلنا في النهاية بشرًا.
بحاجة نحن أن نستمع لكل صوت إنسانية في داخلنا، أن نتشبث به ونستبقيه… لا تدفنوا أصوات إنسانيتكم في قبح الحرب… قلّ أن تنتهي الحرب إلا بنصر الإنسانية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :