د. باسم جمال الدين
تعد الإنتانات المعوية واحدة من أشيع الأمراض عند الأطفال، وتنجم هذه الآفات عن انتقال الفيروسات أو البكتريا أو الطفيليات عبر الأطعمة والأشربة الملوثة. ورغم شيوع المرض في كل البلدان غنيها وفقيرها، إلا أن طبيعة انتقال المرض تجعله أكثر انتشارًا في المجتمعات المكتظة أو التي تفتقر إلى مقومات الصحة. وإن ما يزيد طينها بله، الحروب وما تفضي إليه من فاقة وتشرد وغياب لمصادر الماء والغذاء وحتى الدواء.
لن أخوض في تفاصيل أعراض المرض، فأكاد أجزم أنه قد سبق للكثير أن عانى منه في فترة من الفترات، أو أنه عاينه في قريب أو صديق، ولذلك سأتطرق للعلاج مباشرة. وأؤكد أنه مع اختلاف أسباب الإنتانات المعوية وتنوع مسبباتها فإن علاجها في الغالب سهل، لكن إن أهملت الأعراض (الإسهال والإقياء) واستمرت دون علاج فإن التجفاف الناتج عنها قد يفضي إلى عواقب لا يحمد عقباها؛ كفشل الكلى أو الاختلاجات أو حتى الموت لا قدر الله. وهذه العواقب أشد ما تكون فتكًا في الرضع.
تتوفر في الصيدليات أدوية تحت مسميات مختلفة مثل «علاج للنزلات أو الانتانات المعوية» أو «علاج للإسهال» أو «مضاد للاقياء» أو «مطهر معوي»، غير أن الأبحاث أثبتت أن ضرر أكثر هذه الأدوية على الأطفال أعظم من نفعها، وأشدها أذى هي المضادات الحيوية أو المطهرات المعوية خاصة إن أعطيت في غير محلها وما أكثر ذلك. والحقيقة الوحيدة المتفق عليها أن الأساس في العلاج يكمن في التعجيل بتزويد المريض بمحلول التجفاف المناسب لتعويض ما يخسر البدن من ماء وأملاح جراء الإقياء والإسهال، وهذا كفيل بحد ذاته بمساعدة الجسم على الامتثال للشفاء.
ولكن ماذا لو كان حتى محلول التجفاف هذا، بعيد المنال في ظل تشريد وتجويع وحرمان ممنهج لأسباب العلاج يفرضه النظام في طول البلاد وعرضها؟. في واقع الأمر، يمكن لأي منا أن يصنع هذا المحلول بنفسه وبأدوات بسيطة لا تتطلب سوى إناء نظيف وماء شرب نقي، والقليل من الملح والسكر، أضف إلى ذلك بعض «الكربونة» أو «البيكينغ بودر» إن توفر.
خذ ليترًا من الماء النقي (يمكن الحصول عليه بغلي الماء لبضعة دقائق وتركه حتى يبرد) وأضف عليه ست ملاعق (الملعقة المعروفة بملعقة الشاي) من السكر، ونصف ملعقة من الملح، ويفضل إضافة نصف ملعقة من «البيكنغ بودر» أو «الكربونة» وحركها جيدًا حتى تذوب جميعها في الماء. بهذه الطريقة تكون قد حصلت على محلول يشبه إلى حد بعيد محلول منظمة الصحة العالمية المعروف بـ أو-أر-إس ORS والمعتمد لتعويض خسارة الجسم من السوائل والأملاح.
والحق يقال إن تركيز الأملاح في المحلول الناتج تقريبي، وهو لا يغني بحال من الأحوال عن استخدام المركبات الطبية الجاهزة إن توفرت.
قدّم المحلول إلى طفلك المصاب وشجعه على تناوله قدر المستطاع. والواجب التنبيه إلى أنها عملية تحتاج الكثير من الحلم والأناة، إذ أن المحلول قد لا يستسيغه الصغار، فتركيبه بطبيعته مزيج من المتناقضات «الحلو والمالح». والحل يكمن في إعطاء كميات صغيرة بأزمنة متقاربة، خاصة في حال كان الإقياء هو الغالب.
يحتاج الرضيع والطفل دون السنتين ما لا يقل عن ربع كأس شرب من المحلول عقب كل إسهال أو إقياء، فيما الأكبر عمرًا يحتاج نصف الكأس أو حتى ملئه بعد كل إسهال أو إقياء.
وأخيرا، لا يستحب إيقاف الرضاعة خلال المرض، فالطفل حينئذ في أشد الحاجة للطاقة للتغلب على المرض. ولا يخفى أن الوقاية خير من العلاج؛ كاعتزال المصاب، وغسل اليدين، وتجنب الأطعمة والأشربة المشبوهة.
نسأل الله العافية من كل بلاء.