بعد سنوات القطيعة.. اهتمامٌ شبابي بالتحصيل الأكاديمي

  • 2017/08/20
  • 2:03 ص

طالبات سوريات في جامعة تركية في مدينة غازي عنتاب - 2015 (forumusa)

عنب بلدي – حنين النقري

منذ بداية تموز وحتى نهاية آب من كلّ عام، يتحفّز الطلبة انتظارًا لنتائج قبولهم في الجامعات، وصدور جداول الحاصلين على المنح في مختلف الدرجات الأكاديمية، وهو أمر يبدو للمطّلع ازدياد الاهتمام به، وبشكل خاص بين الشباب السوريّ خارج البلاد، ومن بينهم سارة، التي وجدت في متابعة التعليم وسيلة للاندماج بمن حولها، وتخفيف الوحشة التي بدأت تطاردها منذ انتقالها لمجتمع جديد.

“اكتشفتُ حجم الفراغ في حياتي بعد اللجوء إلى تركيا منذ عامين ونصف، لا أقارب ولا أصدقاء، لستُ متزوجة ولا مسؤوليات حقيقية لديّ، بحثتُ عن عمل لكن الفرص الوحيدة التي كانت متوافرة هي مشاغل الخياطة والأعمال المعتمدة على الجهد العضليّ، وهكذا بدأتُ التفكير جديًا بالعلم والدراسة”، تقول سارة (26 عامًا)، ملخّصة مجمل قصة التحاقها بالجامعة بعد سنوات من القطيعة.

عزلة

بعد حصولها على الشهادة الثانوية عام 2008، لم تتابع سارة تعليمها الأكاديمي، تقول “لم يفضّل أهلي أن أذهب من مدينتي في الغوطة الشرقية إلى دمشق وأعود، بالنسبة لي لم يكن لديّ طموح سوى النجاح في البكالوريا، لذا رضيتُ بما اختاره أهلي وبقيتُ في المنزل أساعد والدتي”.

لكن كل ما كان تغيّر بعد الثورة، ثم أصبح اللجوء إلى تركيا في مطلع عام 2015 نتيجة للأوضاع الأمنية السيئة في الغوطة الشرقية، تحولًا في طريقة تفكيرها، فهناك واجهت سارة الفراغ في حياتها، وتوضح “لأول مرة كنتُ بلا صديقات أو بنات جيران، بلا أقارب وزيارات دائمة، بلا حفلات زفاف وخطوبة وجمعات العائلة الأسبوعية، بلا مجلات أتسلى بها في السهرة، وبدأ شعور الوحدة والفراغ يلفني، وبدأت أفكّر بمغزى حياتي وما أرغب أن أفعله، وهل سأمضي عمري هكذا؟ وكانت هذه اللحظة التي قررتُ الالتحاق فيها بدورة لغة تركية في مركز تعليم الشباب التركي في المنطقة التي أقيم فيها، وهو ما خفف عزلتي قليلًا”.

يوم تاريخي

كان اليوم الفارق في حياة سارة عندما حصلت إحدى زميلاتها في دورة اللغة على قبول في إحدى المنح الجامعية، تقول “عندما باركتُ لنور سألتني عن سبب عدم تقدمي على المنح الجامعية، وعرضت عليّ المساعدة لو رغبتُ ذلك في العام التالي، استهجنتُ الفكرة بداية لكنها سرعان ما أعجبتني، حقيقة شعرتُ بأني لا أريد أن أهدر المزيد من سنوات عمري هباء، وقررتُ الاستمرار في تحسين لغتي التركية لأختصر على نفسي عامًا قبل الدراسة الجامعية، ترجمتُ شهادتي الثانوية وعادلتها مع بقية الأوراق المطلوبة، لم أكن أرغب بفرع دراسي معيّن، المهم أن يكون في نفس مدينتي لأبقى في منزل أهلي”.

بعد ثمانية أعوام من حصولها على الشهادة الثانوية، وفي صيف عام 2016، وصل لسارة بريد إلكتروني يفيد بقبولها في برنامج دراسي أكاديمي، تقول “لم أصدّق حجم التغيير في حياتي إلا بعد أن سجلت في الجامعة وبدأت بالدوام الفعليّ، كنتُ قد تقدّمت بالطلبات على برامج المعاهد المتوسطة، الدراسة فيها لعامين وهو ما أفضّله على برامج البكالوريوس لأربعة أعوام، وهكذا قُبلت في برنامج العلوم الإسلامية الأساسية ومدته عامان، والحمد لله أتممتُ السنة الأولى بنجاح، وبقي لي عام واحد لأتخرّج”.

تجربة لا يُقاس عليها

بالنسبة للمدون محمد (29 عامًا)، من مدينة حمص، فالوضع مختلف عن سارة، إذ تابع دراسته الأكاديمية بعد الثانوية مباشرة، ولم ينقطع عنها إلا في سنوات الثورة، قبل سفره إلى تركيا، يقول “رغم التحاقي بالجامعة إلا أنني كنتُ أرى بعيني فشل المؤسسة التعليمية وأدوّن عن ذلك دائمًا، أثمن سنوات عمرنا كشباب تهدر في أروقة جامعات بمناهج قديمة ومعلومات حشو وعدم وجود علم حقيقي نحصّله فيها، وهكذا بين ميلي للتدوين والبرمجة، ودراستي البعيدة كل البعد عن شغفي لم يكن النجاح حليفي في جامعة البعث، وخرجتُ من حمص ولم أحقق حلم أهلي بالشهادة”.

في تركيا، وبعد الانخراط في سوق العمل كمبرمج، بدأت أفكار محمد عن التعليم الأكاديمي تتغير، يقول “مع الوقت، وبعد الالتحاق بدورات دراسية أجنبية والاطلاع على المناهج التعليمية المميزة، توصلتُ إلى نتيجة أن المؤسسات الأكاديمية الحقيقية لا تشبه بشيء ما كان الوضع عليه في جامعتي بسوريا، لكن لا يمكن الحكم بفشل المنظومة التعليمية ككل من واقع تجربة سيئة في فرع لا أحبه”.

وهكذا مع تغيّر أفكار محمد حول التعليم الأكاديمي، ورغبته في تطوير مهاراته وفرصه في سوق العمل، كانت عودته المفاجأة لأهله ولجميع من حوله كطالب جامعيّ، يقول “كان لاستقلالي الماديّ وقدرتي على تحمّل نفقات دراسة ما أرغب به في الجامعة التي أريد دور أساسيّ في إقبالي على خطوة كهذه، بعد سنوات من الانقطاع وجدتُ نفسي طالبًا عن بعد في إحدى الجامعات الأمريكية، تخصص علوم الحاسوب”.

مثل الفلسطينيين

“كانت أمي تقول لنا أن العلم والثقافة تنتشر بين الفلسطينيين بكثرة، واليوم بعد أن هُجّرنا من أرضنا عرفنا السبب”، تقول باسمة (31 عامًا)، وهي لاجئة سورية في ألمانيا منذ عامين، وتضيف “بعد فقد البيت والحارة والبلد، والأملاك غير المنقولة، لا يبقى للإنسان مصدر رزق سوى الشهادة التي يحملها، أو المهنة التي يتقنها، وهو ما وجد البعض أنفسهم فجأة في أمس الحاجة إليه عندما خرجوا من سوريا”.

تروي باسمة أن والدتها كانت تستغرب بشدة عدد اللغات التي يتقنها الفلسطينيون، وتقول “كانت تتحدث بإعجاب واستغراب شديدين عن جارتها الفلسطينية التي تتقن سبع لغات عدا العربية، أين أنت يا أمي اليوم لتري عشرات آلاف السوريين يتقنون ثلاث لغات على الأقل بسبب اللجوء الاضطراري لبلدان أجنبية”.

حصانة علمية

ترى باسمة أن التركيز على التحصيل الأكاديميّ هو جزء من محاولة السوريين لبناء مساحة لهم في بلدان اللجوء، وتشرح “بمتابعة التعليم وتحصيل الشهادات يحاول معظم الطلبة أن يشقوا طريقهم في المجتمع الجديد، وأن يثبتوا جدارتهم، ويبنوا لأنفسهم سُمعة طيبة وانطباعًا إيجابيًا بين الناس، وكأنهم يقولون نحنُ لا نرغب أن نعيش على المساعدات، بل أن نسهم بعلمنا في رد الجميل للبلد الذي احتوانا”.

تنتظر باسمة حاليًا ردودًا من الجامعات التي راسلتها لإكمال دراساتها العليا وتقديم رسالة الماجستير، تقول “الهجرة المباغتة وغير المتوقعة نهائيًا علمتني ألا أتوقف عن اكتساب المهارات، إذ لا أعلم متى أحتاجها، وكلما كانت حصانتي العلمية أقوى، كلما كان تأثري بالصدمات أقل”.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع