عنب بلدي – رهام الأسعد
بعد خمس سنوات، أطل معرض دمشق الدولي بدورته الـ 59 على مشارف العاصمة دمشق، كأحد ملامح “استعادة الأمن والاستقرار“، التي تسعى حكومة النظام السوري إلى إيصالها للعالم، في بلد ”لم يعد ينقص مواطنيه سوى تنظيم المعارض والفعاليات“.
بدأت فعاليات الدورة 59 من معرض دمشق الدولي، الخميس 17 آب، في مدينة المعارض الجديدة على طريق مطار دمشق، وتستمر حتى 26 من الشهر نفسه، بمشاركة 23 دولة بصفة رسمية، في مقدمتها الدول “الصديقة” للنظام السوري، ومنها روسيا وإيران والصين وكوريا الشمالية، إلى جانب حضور شركات خاصة من دول قطعت علاقاتها مع النظام السوري، بينها فرنسا وألمانيا وبريطانيا، كما قالت المؤسسة العامة للمعارض.
ولإظهار جودة على مستوى عال أمام الشركات الإقليمية والعالمية المشاركة، بحضور ألف رجل أعمال، كان لا بد من تحسينات وإصلاحات في المدينة، التي أثقلتها النزاعات، والتي لم تعد تتوفر فيها مقومات الحياة الأساسية من ماء وكهرباء منذ ما يزيد عن خمس سنوات.
لذا بدأت حكومة عماد خميس بالإعلان عن إصلاحات ترافقت مع التجهيز للمعرض على مختلف قطاعات الحياة، جعلت سكان دمشق يتمنون لو كان بالإمكان أن يستمر المعرض “مدى الحياة”.
“انعموا بالكهرباء خلال أيام المعرض فقط“
جاءت تصريحات وزير الكهرباء، محمد زهير خربوطلي، مبشرة للسوريين، حين قال، الأربعاء الماضي، إن وضع الكهرباء سيتحسن بكل المحافظات السورية خلال فترة تنظيم معرض دمشق الدولي.
وفي المقابل أثار التصريح استياء بعض المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي، متسائلين عن قدرة الحكومة على توفير الكهرباء وقطعها متى تشاء، في حين يعاني السوريون، خاصة في فصل الصيف، من انقطاعها المستمر وسط مزاعم الحكومة بأن محطات التوليد خرجت عن الخدمة بفعل “أعمال تخريبية”.
فيما توقع آخرون أن تعوّض الحكومة الكهرباء “المهدرة” خلال أسبوع المعرض، بزيادة التقنين فور انتهاء فعالياته.
إصلاحات في “واجهة البلد“
باعتباره الواجهة الأساسية للبلد أثناء استقبال رجال الأعمال والشركات العالمية، طالت مطار دمشق الدولي إصلاحات عدة، بدأها رئيس الحكومة عماد خميس بزيارة، قال إنها “سرية” تفقدية لأحوال المطار والمسافرين.
زيارة خميس أسفرت عن إقالة مدير المطار، الاثنين 14 آب، بعد مظاهر “التسيّب والإهمال” التي شاهدها بعينه، بحسب روايته، على شاكلة “يوميات مدير عام”، مستندًا إلى شكوى تقدمت بها إحدى المسافرات، قالت إنها لم تلقَ أي اهتمام من موظفي المطار.
اعتبر مواطنون أن الفيديو، الذي انتشر أثناء لقاء خميس بالمسافرة، مجرد “مسلسل” لإثبات أن الحكومة بصدد محاربة الفساد، على اعتبار أن المسافرة تكلمت بلهجة “فوقية” مع شخصيات “اعتبارية” في الحكومة، متسائلين عن الصدفة التي جمعته بها.
وفي السياق ذاته، أعلنت وزارة النقل، الأربعاء الماضي، عن تفعيلها قاعة المطار الأرضية المؤلفة من خمس بوابات، لأول مرة خلال سنوات الثورة السورية.
وقال وزير النقل السوري، علي حمود، إن القاعة مزودة بكاميرات مراقبة وشاشات مواعيد وجداول الطيران وبرمجة الرحلات بالإضافة إلى معدات تكييف، وأجهزة تفتيش جديدة “سكانر”، وفق ما نقل موقع وزارة النقل الرسمي.
وشهد طريق المطار حملات نظافة واسعة وزرع الأشجار بالإضافة إلى إنارة الطريق بالكامل تمهيدًا لاستقبال الوفود.
الليرة تنتعش
تحسن سعر صرف الليرة السورية بشكل طفيف أمام الدولار، قبيل انطلاق فعاليات “معرض دمشق الدولي”، ووصل سعر الصرف بحسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص بالعملات، إلى 519 للشراء و522 للمبيع، في حين وصل سعر صرف اليورو 605 للشراء و611 للمبيع.
وأرجع مركز “دمشق للأبحاث والدراسات” (مداد) تحسن سعر الصرف إلى عدة عوامل، أبرزها انطلاق “معرض دمشق الدولي”، الذي يعتبر منصة عودة الصادرات السورية إلى الأسواق العالمية.
“مداد” أوضح أن المعرض رفع نسب الإشغال الفندقي في دمشق، نتيجة حجوزات المشاركين فيه، بالإضافة إلى “الزيادة التدريجية في حجم الحوالات بالقطع الأجنبي الواردة مـن الخارج بسبب اقتراب عيد الأضحى”.
عودة لإعلان “الانتصار الاقتصادي“
قررت حكومة النظام السوري إعادة تنظيم “معرض دمشق الدولي” من قبل المؤسسة العامة للمعارض أواخر الصيف الجاري.
وذكرت صحيفة “البعث” الناطقة باسم الحزب الحاكم في سوريا، بتاريخ 9 شباط، أن “إعادة تنظيم المعرض سيصبّ في استمرار الصناعة السورية، واستعادة النشاط الاقتصادي”، مشيرة إلى أن “تحسن الأوضاع الأمنية وتصاعد الخط البياني للإنتاج، أسهما في إعادة تنظيم المعرض”.
ويعتبر “معرض دمشق الدولي” من أقدم المعارض في الشرط الأوسط، إذ نظمت أول دورة عام 1954، وكان يقام، قبل عام 2004، في مدينة المعارض القديمة، الواقعة بالقرب من ساحة الأمويين وسط دمشق.
وتوقف المعرض بعد عام من بدء الثورة السورية، نتيجة الأوضاع الأمنية، وتمكّن مقاتلو “الجيش الحر” من السيطرة على مساحات واسعة من المناطق القريبة من مدينة المعارض، وخاصة “القرية الشامية”، في تموز 2013.
وسبق أن شهدت فعاليات معرض دمشق الفنية مشاركة واسعة من قبل كبار الفنانين العرب مثل فيروز وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ وماجدة الرومي وغيرهم، إلا أن إحجامًا واضحًا بدا خلال هذه الدورة بعد رفض فيروز وجوليا بطرس وغيرهم من الفنانين الدعوة الموجهة لهم للمشاركة في المعرض.
فضائح وعثرات
تخلل افتتاح المعرض أخطاء عدة على مستوى التنظيم والأداء خالفت التوقعات بأن يكون الافتتاح أكثر حداثة وتنظيمًا بعد غياب سنوات، ليتفاجأ الحضور بافتتاح “كلاسيكي” يليق بزمن الأبيض والأسود.
كلمة الافتتاح “تليق بطالب ابتدائي”
أحدثت كلمة رئيس وزراء حكومة النظام السوري، عماد خميس، أثناء افتتاح المعرض ضجة إعلامية بعد الأخطاء الإملائية والنحوية والهجائية التي لم يستطع السيطرة عليها خلال ربع ساعة من وقوفه وراء المنبر، وبحضور وفود عربية وعالمية.
وانتقد روّاد مواقع التواصل الاجتماعي طريقة الإلقاء التي لا تليق بمنصب رئاسة الوزراء، ولا بمعرض دولي كهذا.
وبدا الملل واضحًا على وجوه الحضور الذين انشغل بعضهم بالأحاديث الجانبية، فيما أظهرت الكاميرات وزير الصناعة اللبناني، حسين الحاج حسن، النائب عن “حزب الله”، يتثاءب أثناء إلقاء كلمة الافتتاح، التي بدا تلبّك خميس واضحًا فيها.
تغطية بلا صحفيين
اشتكت جهات إعلامية محلية من عدم السماح لها بتغطية افتتاح معرض دمشق الدولي، رغم الحملات الترويجية والتسويقية التي نظمتها قبيل افتتاح المعرض.
وقال موقع “B2B-SY” الاقتصادي إن فريقه منع من الدخول إلى المعرض وتغطية الفعاليات بعد انتظار أربع ساعات في الخارج، مشيرًا إلى أن معظم الصحفيين منعوا من الدخول رغم الإفصاح بأنهم صحفيون.
وجاء في منشور للموقع، عبر صفحته في “فيس بوك”، “شكرًا للجنة الإعلامية ولجنة الاستقبال على هذه المعاملة، أهذا ما يستحقه الإعلاميون والصحفيون؟”.
دعوة لـ “تشليح” أموال المستثمرين
طالب الاقتصادي السوري والأستاذ في كلية التنمية الإدارية بجامعة دمشق، أيمن ديوب، بـ”تشليح” أموال رجال الأعمال الأجانب المشاركين في معرض دمشق الدولي عن طريق الاستثمارات.
وقال إن 1500 رجل أعمال جاؤوا إلى سوريا “ليس للسياحة وإنما لديهم أموال ولديهم استثمارات”.
وأضاف، في مقابلة مع قناة “الإخبارية” السورية، الخميس 17 آب، أنه من الواجب التفكير كيف نأخذ من رجال الأعمال أموالهم، ويتم ذلك عن طريق الاستثمارات.
وأثارت تصريحات ديوب سخرية من ناشطين اعتبروا أن هذا الأسلوب دفع الكثير من المستثمرين إلى الهروب من سوريا.
الزوار عادوا بالشاحنة
نقلت شاحنة عشرات المواطنين من زوار المعرض، قالوا إنهم انتظروا كثيرًا الباصات المخصصة لنقلهم ولم تأتِ.
ونشرت إذاعة “المدينة اف ام” صورًا حصرية للشاحنة التي تقل العشرات، واتهم بعضهم إدارة المعرض بسوء التنظيم بعد الحملات الإعلانية والتسويقية التي روجت لها على مدى أشهر.
وبعد الضجة التي أحدثتها الصور، صرح مدير مؤسسة المعارض فارس الكرتلي لموقع “دمشق الآن”، أن إدارته زادت عدد الباصات المخصصة لنقل زوار المعرض، وقال “تم تخصيص 120 باصًا وفتح طرق وتسهيلات مرورية جديدة”.
وزاد تصريح الكرتلي من حدة انتقادات المواطنين، معتبرين أن الوقت قد فات لتصليح الخطأ بعدما تعرض له زوار المعرض.