مشاريع الداخل مهدّدة والبدائل ليست جاهزة
تراجع الدعم المالي يعصف بالحكومة السورية المؤقتة
عنب بلدي – ضياء عودة
أثار قرارٌ أصدرته الحكومة السورية المؤقتة بإيقاف رواتب الموظفين العاملين فيها، تكهنات وتساؤلات عن الأسباب التي دعت الحكومة لاتخاذ القرار، خاصةً وأنه تزامن مع أنباء عن تطورات جديدة تقبل عليها مؤسسات المعارضة في ظلّ الحديث عن فرض تسويات سياسية.
ولحق القرار زيارة وفد من الحكومة المؤقتة والائتلاف الوطني إلى السعودية، وتبعه تصريحات لرئيس الائتلاف، رياض سيف، لصحيفة “الشرق الأوسط” عن تأسيس صندوق وطني لتغطية تكاليف تشغيل الحكومة، بما يمكّنها من تقديم إمكانيات الصمود والاستقرار للسوريين في الداخل، من خلال عقد مؤتمر لرجال الأعمال السوريين الداعمين للشعب السوري.
الحكومة أوقفت رواتب الموظفين، في 7 آب الجاري، واعتبرت عملهم تطوعيًا، دون أي مستحقات مالية بدءًا من مطلع آب الجاري، على أن تصرف لهم مكافأة شهرية حسب الإمكانيات المتوفرة، ونسبة دوام كل موظف.
وتحاول عنب بلدي الوقوف على الأسباب التي دفعت الحكومة المؤقتة إلى القرار، من خلال الحديث مع مسؤولين فيها تولوا مهمة الإشراف على الأمور المالية والاقتصادية، وكيف سينعكس إيقاف الرواتب على إنجاز المشاريع المخطط لها في الداخل السوري.
“صندوق الائتمان” يوقف الدعم
صندوق الائتمان تم تشكيله من دول أصدقاء سوريا، ويضم 14 دولة، تضع كل دولة فيه عشرة ملايين دولار سنويًا.
وكل مشاريعه في الداخل السوري ولا يحق له صرف نفقات خارجها. ويتعامل مع مؤسسات ومديريات الحكومة والمجالس المحلية في المحافظات والأجسام المعتمدة من الحكومة، لكنه لا يمنح الحكومة أموالًا بشكل مباشر. |
تنقسم رواتب الموظفين في الحكومة المؤقتة إلى قسمين: الأول يتبع إلى الجهات الداعمة للمشاريع، مثل إكثار البذار، مؤسسة الحبوب، مديريات الصحة، مديرية التربية، الإحصاء الزراعي، مؤسسة الأعلاف، إضافةً إلى المعلمين، وهم أصحاب الحصة الأكبر، إذ يتجاوز عددهم 23 ألفًا.
والقسم الثاني يتمثل بالوزراء والجهاز الإداري، وعددهم 250 موظفًا، وهؤلاء لا دعم لهم من أي دولة أو منظمة، لذلك لا تتأثر رواتبهم بتوقف المنظمات، فهي متعلقة بإيرادات الحكومة من شهادات المنشأ، بحسب معاون رئيس الحكومة للشؤون المالية والاقتصادية، عبد الله الحمادي.
وأضاف الحمادي، في حديث إلى عنب بلدي، أن القرار بتعليق رواتب الموظفين صدر بعد إبلاغ بعض الجهات الداعمة الحكومة المؤقتة بتعليق دعمها في الداخل السوري كـ “صندوق الائتمان”، لافتًا “نحاول التواصل معها لإعادة الدعم لكن دون جدوى”.
وأكّد أن ذلك انعكس مباشرة على بعض المنظمات الداعمة، التي علّقت عملها، وأثر ذلك على مشاريع الداخل، كمؤسسة الحبوب ومؤسسة الثروة الحيوانية والأعلاف.
بينما عزا معاون وزير الاقتصاد في الحكومة المؤقتة، عبد الحكيم المصري، إصدار القرار إلى المعاناة من نقص السيولة المالية، معتبرًا أن من حق الموظفين الشكوى على من عيّنهم للمطالبة بمستحقاتهم، لذلك كان القرار الجديد وسيلة للحد من هذه الشكوى على المسؤول.
وأوضح لعنب بلدي “في الأساس دعم الحكومة المؤقتة محدود لغياب الموارد الذاتية، وأحيانًا يكفي الرواتب، وفي فترات أخرى لا يستطيع توفيرها”.
نقص السيولة ليس جديدًا
في تحقيق أجرته عنب بلدي في نيسان 2016، خلال تسلّم أحمد طعمة رئاسة الحكومة، أشار إلى توقف الموارد المالية بشكل كامل، ما دفع بعض الموظفين حينها إلى العمل في منظمات محلية وأجنبية أخرى، أو الاستمرار بالعمل بشكل مجاني ودون راتب.
وأدى نقص الدعم آنذاك إلى عرض مبنى الحكومة الذي يقع في مدينة غازي عنتاب التركية للإيجار، بعد أن انتهى عقده، لتنتقل الحكومة إلى مبنىً جديد يقع على أطراف المدينة، بعد أن منحتها الحكومة التركية مبلغًا يُقدم لمرة واحدة، على أن يغطي تكاليف نقل الأثاث وإيجار المبنى وكافة التجهيزات.
تواصلت عنب بلدي مع رئيس الحكومة الحالي، جواد أبو حطب، إلا أنه رفض الحديث هاتفيًا، عازيًا ذلك لتحريف بعض وسائل الإعلام لتصريحاته في الأيام الماضية، مؤكدًا أن جميع تصريحاته في الأيام المقبلة ستكون صادرةً عن مكتبه الرسمي.
أما معاون وزير الاقتصاد عبد الحكيم المصري فأوضح أن “جميع الموظفين مستمرون حاليًا في عملهم حتى بشكل تطوعي (…) نحن لن نترك الأمر هكذا، لكن إلى أن تتوفر السيولة المالية، سندفع الرواتب كمكافآت تعادل الراتب الشهري”.
وأوضح أن “الموظفين متفهمون للأمر ويعرفون وضع الحكومة والسيولة، والراتب أساسًا ليس كبيرًا ويكفي مصاريفهم فقط”، مؤكدًا أن “الأمور ستتحسن والرواتب لن تتوقف بشكل نهائي”.
وأكد حمادي أن “العاملين الذين يرغبون بالاستمرار في العمل، سيتلقون رواتبهم في حال وصول الدعم المالي”.
البحث عن موارد ذاتية
وبالنظر إلى واقع الحكومة المؤقتة على مدار السنوات الماضية، تتضح الرؤية بأنه لا يوجد صندوق اقتصادي ذاتي يمكن أن تعتمد عليه في نفقاتها، ومواردها الذاتية التي يمكن أن تشغلها لفترات طويلة محدودة.
وبحسب المصري، فإن “الحكومة كانت تتلقى جزءًا من الدعم من الائتلاف أو من بعض الدول (…) هذا لا يكفي، وتوجد بعض الموارد الذاتية كالرسوم الجمركية والتبادل التجاري مع تركيا، وشهادات المنشأ الزراعية، إلا أن الحكومة لا يمكن أن تعتمد عليها”، لافتًا إلى أنه “لا توجد أي جهة تدعم الحكومة المؤقتة بشكل مستمر منذ فترة طويلة”.
وأضاف أن المشاريع التي بدأت حاليًا لا يمكن أن تتوقف حتى انتهائها بموجب الاتفاقيات مع المنظمات.
ورغم ذلك تسعى “الحكومة المؤقتة” إلى تنمية الموارد الذاتية حاليًا، إذ أنشأت في درعا مديرية مالية ووضعت خطوات لتحصيل جباية وضرائب من المواطنين، بالتزامن مع اتفاق “تخفيف التوتر” والهدوء الذي تشهده المنطقة، كما تتواصل مع حكومات وجهات لتأمين الدعم الذي يمكّن من القيام بالمشاريع الإنتاجية.
وفي حديث سابق مع أبو حطب قال إن مباحثات تجري مع الحكومة التركية، لتسيير المعابر الحدودية ضمن الأصول الدولية من قبل الحكومة.
وأضاف أن المباحثات جارية من أجل عملية تسيير المعابر، عن طريق الحكومة المؤقتة ممثلة بوزارة الداخلية وإدارة الهجرة والجوازات، مشيرًا إلى أن الحكومة طرحت إدارتها لجميع المعابر وليس معبرًا بحد ذاته، منوهًا أن الحوار مع الأتراك يأتي بالتوازي مع مباحثات مع الفصائل المسيّرة لشؤون المعابر.
وكان تصريح أبو حطب قبل سيطرة ”هيئة تحرير الشام” على معبر “باب الهوى”، رئة محافظة إدلب الوحيدة، وهي الجهة التي ترفض التنسيق مع الحكومة المؤقتة، وتصنفها تركيا على أنها “منظمة إرهابية”.
ماذا عن مشاريع الاتحاد الأوروبي؟
مطلع حزيران 2017 الجاري التقى وفد الائتلاف والحكومة المؤقتة مع الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، فيدريكا موغريني، في بروكسل، وقال أبو حطب عن اللقاء إنه “كان مهمًا جدًا على صعيد دعم الحكومة المؤقتة ودعم كوادرها البشرية ومشاريعها”.
وأوضح أبو حطب أن هناك مشاريع يتم العمل عليها مع الاتحاد الأوروبي، وهي: التعليم والصحة، والزراعة، وملف الداخلية والتوثيق، ومنح الأوراق الثبوتية والهويات الشخصية ووثائق السفر، إضافةً إلى تمكين المجالس المحلية لإدارة “المناطق المحررة”.
وعن تطورات المشاريع المعلن عنها بدعم من الاتحاد الأوروبي، أوضح معاون رئيس الحكومة حمادي أنه “حتى الآن لم يردنا من الاتحاد الأوروبي أي تعليق”، مؤكدًا أنها مازالت مستمرة.
ونفى حمادي أي ارتباط بين الفوضى المالية التي شهدها الائتلاف السوري في الأيام القليلة الماضية، والظروف التي تمر فيها الحكومة، وذلك بعد أنباء عن إيقاف خط دعم مالي من الائتلاف إلى الحكومة.
وعن تحليلات الاقتصاديين الأخيرة حول قطع الدعم وإرجاعه إلى أن مكاتب الحكومة كانت شكلية ولا تمسك مشاريع بيدها، ردّ حمادي بأن هذه التحليلات تخفي الحقيقة، فالحكومة استطاعات أن تدير وتنسق إدخال مبلغ 30 مليون دولار خلال الأشهر الستة الماضية.
ولم تتجاوز المصاريف التشغيلية للحكومة ووزاراتها ومديرياتها ومؤسساتها ورواتب موظفيها 2% من المبلغ الكامل، خلال الأشهر الستة، ما يقارب 600 ألف دولار، بحسب حمادي.
فروع الحكومة في الداخل السوري:درعا: وزارة الإدارة المحلية، معاونو وزراء، مؤسسة الحبوب، إكثار البذار، كليات جامعة حلب و معاهد إعداد المدرسين. دمشق: نائب رئيس الحكومة، مديريات الصحة والتربية والزراعة، كليات جامعة حلب، معاهد طبية، إدارة وحاسب وإعداد مدرسين. حمص: وزير الزراعة، مديريات التربية والصحة والزراعة، مؤسسة الحبوب وإكثار البذار، كليات ومعاهد طبية وهندسية وإعداد مدرسين. إدلب: وزراة الصحة والتعليم العالي، وزارة الداخلية، مديريات الصحة والتربية والزراعة والأحوال المدنية والعقارية، ست كليات وعدة معاهد طبية، وإدارة وحاسب وإعداد مدرسين، إلى جانب مؤسسة الحبوب وإكثار البذار، ومؤسسة الثروة الحيوانية، ومؤسسة الأعلاف، ومديرية الإحصاء الزراعي. ريف حلب الغربي: وزارة الخدمات، وزارة التربية، جامعة حلب ومعاهد إعداد المدرسين، فرع مؤسسة الحبوب، مؤسسة إكثار البذار، مديريات الصحة والتربية والزراعة، وسجل الأحوال المدنية. ريف حلب الشمالي الشرقي: مقر رئاسة الحكومة، وزارة المالية، مؤسسة الحبوب، فرع مؤسسة إكثار البذار، مؤسسة الثروة الحيوانية، مديريات الصحة والتربية، مديرية الخدمات والاتصالات، كليات جامعة حلب ومعاهد إعداد مدرسين. |
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :