الحل السوري
عنب بلدي – العدد 114 ـ الأحد27/4/2014
تتحدث الأوساط السورية المختلفة بإشاعات تقول بأن الحل اليمني سيكون هو الحل المعتمد في سوريا، وذلك بجعل سوريا بلد أقاليم على النمط اليمني، حيث كان الحل باعتماد أقاليم متعددة واستبعاد العاصمة صنعاء (ويقابلها دمشق) ومدينة عدن (ويقابلها حلب)، من التقاسمات الإقليمية.
إن اعتماد مثل هذا الحل في سوريا سيكرس تقسيم البلاد إن على أسس طائفية أو على أسس قومية أو على أسس التفرقة الجغرافية، وهذا الحل سيجعل من سوريا مصيبة مزمنة على المدى البعيد، سواء بتراكم الصراعات الداخلية أو بتفجير ونشر الصراعات الخارجية، حيث ستتحول هذه الأقاليم إلى مصانع للشقاق وللتمييز وربما للاقتتال الدائم، وذلك بإحلال الحس الإقليمي أو الفئوي محل الحس العام أو الوطني، ولن ينجو من هذه المصائب إلا سكان دمشق وحلب الذين سيخضعون لمقاييس فوق إقليمية، وبالتالي يتحررون من الأمراض الإقليمية المزمنة لكنهم سيغرقون بسيول من المهاجرين الفارين من التقييمات الإقليمية القائمة على القرابة والطائفة والقبيلة واللهجة وربما حتى على لون البشرة كمقياس للمواطنة الإقليمية.
من خلال تتبع مسار الانفجارات في الثورة السورية يتبين أن معظم مواقع الصراعات العسكرية هي مناطق المخالفات في المدن الكبرى بالإضافة إلى المناطق نصف الحضرية في المدن الصغيرة والمناطق والنواحي والقرى، بالإضافة إلى مواقع الاحتقان المزمن وهي قليلة رغم طاقاتها التفجيرية الكبيرة، لأن هذه المواقع المهمشة تجلت فيها كل جرائم الاستبداد وكل الحرمان الاقتصادي والاجتماعي والإداري الذي تسبب به نظام القمع.
إن سياسة السوق الاجتماعية التي تبلورت على أيادي أنصار النظام على شكل سياسات نهب منظم واحتكار للانفتاح الاقتصادي وتمركز المنتفعين منها حول النظام وفي مراكز المدن الكبيرة وبسبب سياسة النظام الشمولية التي تتسم بالمركزية المفرطة، فقد برز كبار المنتفعين في دمشق وحلب، المدينتان الرئيسيتان في سوريا والأكبر اقتصاديًا، بالإضافة إلى منتفعين أقل شأنًا في مراكز المحافظات.
إن الدول الأخرى تطورت بفعل تطور المدن فيها، وبقيام هذه المدن بدور تحريض حضري على الأرياف المحيطة بها وإخراجها من دوامات علاقات القرابة والجوار إلى العلاقات المدينية المجردة القائمة على أولوية القانون وأولوية الإنتاج والتقدم العلمي والتجاري، أما في سوريا فترى مدنًا كبيرة مثل النبك أو بانياس أو الطبقة أو الباب ومنبج مثلًا ترزح تحت رحمة البيروقراطية المدينية في مراكز المحافظات التي تحتكر القرار والتواقيع مهما كانت تافهة، بالإضافة إلى احتكارها للموازنات المالية الضخمة التي تصرفها في الأحياء الراقية التي يعيش فيها كبار المسؤولين وكبار التجار وكبار الضباط الذين يقرفون حتى من التجوال في تلك المناطق المهملة.
إن تحرير المدن السورية من نير البيروقراطية والتبعية المذلة هو الحل الأسلم لمستقبل سوريا ولقدرتها على إدارة ذاتها بوحدات مدينية ليست مستعبدة للسلطة المستبدة والممثلة بمراكز المحافظات المجاورة، ولا لعسف العاصمة المرتبط بالمركزية الاستبدادية التي أفرغت معظم مناطق سوريا من كفاءاتها وقدراتها المالية والفنية والإنتاجية.
إن تحويل ريف دمشق مثلًا، إلى خمس محافظات مستقلة وذات وظائف إنتاجية مدروسة هو أحد الحلول التخطيطية الواجب دراستها، فالزبداني مثلا تتحول إلى محافظة للصناعة السياحية، والنبك محافظة إنتاجية لتواجد النجاح الصناعي فيها.. وهكذا يتم تحرير أبناء الأرياف الدمشقية من هيمنة البيروقراطية والمركزية الشديدة، حتى الأحياء الكبيرة الواقعة ضمن دمشق فيجب أن يكون لديها بلديات مستقلة وذات فاعلية حقيقية ونظام إدارة محلية حضاري وتشاركي وليس مجرد نظام مفصل لأعضاء منتخبين بطرق الغدر التي تجيدها قوائم الجبهة الوطنية التقدمية والتي تساهم اليوم بتدمير سوريا.
إن حل الأقاليم لا يناسب سوريا بسبب التنوع الشديد فيها، فالحل الأسلم نشر شبكة فعالة من المدن التي تعيد شخصية السكان فيها وسكان الأرياف القريبة منها، ويجب دراسة هذه المدن وتوزعها بحيث لا يقل عدد المحافظات في سوريا عن 35 محافظة، وذلك للكف عن استعباد الناس بتواقيع رسمية لا غاية لها إلا إذلال المراجعين الذين يقطعون مئات الكيلو مترات من أجل دمغة في الديوان وتوقيع موظف كسول ومتطلب ومستثمر لاحتياج المراجع الذي ترك بيته منذ السادسة صباحًا ليصل إليه بعد الظهر مرهقًا ومهانًا ومستعدًا لدفع أي مبلغ في سبيل آلا يأتي ثانية في اليوم التالي، بسبب صناعة الحجج الكثيرة التي يمتلكها ذلك الموظف الحاوي على تحايلات القوانين الراسخة منذ العصر العثماني حتى عصر الممانعة.
ففي الرقة مثلًا تبعد بعض القرى أكثر من 150 كلم عن مركز المحافظة، وفي حمص تبعد إحدى القرى حوالي 300 كلم عن مركز المحافظة، ويضطر المراجع لمركز محافظة حمص أن يركب بخمس سيارات للوصول إلى مبتغاه، وهو أخذ الدمغة البيروقراطية المرتجاة من حامل الأختام البليدة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :