جريدة عنب بلدي – العدد الثامن عشر – الأحد – 3-6-2012
ومع إضراب تجار الشام، تدخل العاصمة دمشق نقطة مفصلية في تاريخ الثورة، فبعد خروج حلب، العاصمة الاقتصادية، من قبضة النظام ودخولها خريطة الثورة السورية وإحرازها أكبر عدد للمتظاهرين وتسجيلها أكبر عدد نقاط للتظاهر بعد أحداث جامعة الثورة، انتقل سيل الاحتجاج إلى قلب العاصمة السياسية ونطقت الفئة التي لطالما كانت تحسب على «الصامتين» الفئة التي سيكون لها الدور الأكبر في تسريع عملية سقوط النظام وتقويض أركانه. فشلّ حركة الأسواق سيدعو الفئة الصامتة لتصطف إلى جانب الثورة، ناهيك عن أن دمشق القديمة وأسواقها تعتبر واجهة سوريا السياحية والاقتصادية. ومع إضراب أصحاب المحال في دمشق تنكسر صورة «سوريا بخير» التي ما فتئ النظام يحاول ترويجها وإعلانها على الملأ، فالأسواق الآن أوصدت أبوابها احتجاجًا على الجرح السوري النازف ولم يعد بوسع النظام ولا عدسات كاميراته توثيق عكس ما تدعيه القنوات المغرضة، وإن فعل، فهذه الأسواق تشكل عقدة البلد، وسيمر فيها معظم الدمشقيين ليروا بأم أعينهم كذب النظام عندما يتأكدون بأن الإضراب مستمر وبأن الثورة مستمرة لن تتوقف ناهيك عن تأكد السياح –إن وجدوا- من أن سوريا «ليست بخير» وسينقلون بدورهم الفكرة لبلدانهم التي قدموا منها وكذلك حال المراقبين الدوليين الذين يتجولون في شوارع دمشق لا بل ويقيمون في قلبها سيرون بأم أعينهم أن الإضراب حقيقة وليس ضربًا من الخيال كما يدعي الإعلام السوري.
والشجاعة التي أبداها التجار الدمشقيون بأن استمروا في إضرابهم رغم تهديد أركان النظام وشبيحته بأن تتحول الحريقة إلى اسمها الذي تحمله يشهد لها التاريخ. ففظاعة مجازر النظام لم تعد تحتمل والدمار الاقتصادي الهائل الذي شلّ حركة الأسواق لم يعد يطاق، فما كان من الفئة الصامتة إلا أن خلعت ثوب الصمت وقالت كلمتها فالدم السوري ليس ماءًا يهدر دون أن يرف لك جفن أو تتحرك مشاعرك، والهمجية التي وصل إليها النظام وزبانيته بلغت ذروتها، فهل ستشهد دمشق إضرابًا ستينيًا يكون له نفس الوقع ونفس الأثر التاريخي!!
يبدو أن من أشعل فتيل الثورة وألهبها وكانت له كلمة البداية فيها في الخامس عشر من آذار من العام الماضي ستكون له كلمة الفصل في إسقاط النظام وسيكون هو من ينعي الأسد وحكمه فربما كان إضراب تجار الشام المسمار الأخير الذي يدق في نعش النظام.