عنب بلدي – العدد 114 ـ الأحد27/4/2014
تخضع مدينة داريا لحصار خانق منذ عام ونصف من قبل قوات الأسد، ما أجبر القسم الأكبر من أهالي المدينة على النزوح منها، فيما بقي جزء قليل منهم، وأغلبهم من الشباب الذكور، بعيدين عن أهلهم وعائلاتهم.
لكن قسمًا من هؤلاء الشباب لم يبلغ الثامنة عشرة بعد، يتحمل اليوم مسؤولية تفوق عمره دون تجارب مسبقة في أغلب الحالات، وقد قُتل بعضهم على الجبهات كحال الشهيد بهاء أبو طارق، الذي كتب عنه بعض الناشطين، ومنهم رزان زيتونة، بينما أضحى آخرون قيادات في مجموعات الجيش الحر، أو تسلموا زمام الأمور في المدينة.
- جذور المشكلة
التحق معظم الشباب المراهقين بـ «الأعمال الثورية» عسكرية كانت أم مدنية، بهدف خدمة المدينة بعد خروج أهلهم منها، وقد ترك هؤلاء الشباب منازلهم وتجمعوا مع رفاقهم محاولين تأمين متطلبات المعيشة.
وبعد طول مدة الحصار واشتعال الجبهات وجد الشباب المنخرطون في هذا الجو المشحون، أنفسهم في «مجتمع رجولي» مطالبين بتدبير أمور حياتهم والسعي وراء معيشتهم، فيما نمت لديهم حرية اجتماعية لم تكن متاحة في أجواء البيئة الأسرية التي عرفت في داريا سابقًا، الأمر الذي انعكس على مسار حياتهم وأدى إلى نشوء ظواهر ومشكلات اجتماعية جديدة.
في سعيها لمناقشة هذه الظواهر والمشكلات والنظر في حلولها التقت جريدة عنب بلدي بـ «أبي الفداء» وهو مدير معهد تحفيظ للقرآن سابقًا وقائدٌ لإحدى مجموعات الجيش الحر، إضافة لـ «أبي نذير» وهو مسؤول الدعوة والإرشاد في لواء شهداء الإسلام.
- الانخراط في صفوف الحر
يعتبر حمل السلاح لشاب في سن المراهقة أمرًا خطيرًا، لكنه أضحى اليوم أمرًا معتادًا في داريا، وحسب ما يقول أغلب المراهقين لمراسل عنب بلدي في المدينة فإن السبب الأول لحمل السلاح هو «الجهاد في سبيل الله ورفع الظلم»، بينما خرج آخرون للقتال «انتقامًا» لأنهم تعرضوا سابقًا للاعتقال أو أنهم فقدوا أقاربهم وأصدقاءهم بنيران قوات الأسد، فيما لم يستطع القسم الأخير الخروج من المدينة لعدة أسباب منها التخلف عن الالتحاق بالجيش النظامي، كحال أبو تيسير (مواليد 1995) الذي فقد والده منذ سنتين حين قُنص وهو في عمله، كما أنه تخلّف عن الالتحاق بالجيش، ويقول «لن أخون ديني ولن أنسى دماء أبي … لن أخدم في جيش النظام بل سأقاتله».
ويقف هؤلاء الشباب في وجه اقتحامات قوات الأسد، ويخوضون اشتباكات طاحنة أسفرت عن مقتل عدد منهم، من بينهم الشهيد «يزيد أبو ساطع» الذي قتل في أيار العام الماضي وعمره 17 عامًا.
ويقول أبو الفداء، حول المسؤولية التي يتحملها مراهقو المدينة، «لا شك أن الشباب يتحملون فوق طاقاتهم، وقد أثبتوا كفاءة كبيرة وصارت شخصياتهم أقوى من ذي قبل، وقد رأينا ذلك خلال التحامهم مع العدو».
- حرية دون توجيه
يتوزع مقاتلو المدينة في سكنهم إلى مقرات تابعة للألوية التي يقاتلون في صفوفها، وغالبًا ما يحاول المراهقون السكن لوحدهم في هذه المقرات نظرًا لاقتراب سنهم وتطلعاتهم، وهو ما يعطيهم حرية مفرطة في أسلوب المعيشة، أسفرت عن عواقب سلبية من الناحية التربوية، مثل إساءة استخدام الانترنت والتدخين، دون أن تستطيع قيادة الألوية التدخل في خصوصياتهم.
يقول أبو الفداء «من الأفضل ألا يسكن الشباب لوحدهم إذا لم يكونوا يتمتعون بالوازع الديني الكافي، لكننا لا نستطيع ضبط هذا الأمر… الحل أن يلازمهم أشخاص واعون في نفس المسكن». أما أبو نذير فطالب قيادات الحر بالتعاون مع المرشدين التربويين الذين يقدمون محاضرات دوريّة لمقاتلي الحر، «إذا كان هنا تعاون بين قيادة الجيش الحر مع الموجهين التربويين في الجيش الحر فإننا نستطيع ضبط الأمور بشكل جيد».
- متاعب نفسية وعاطفية
ويعاني المراهقون -المقاتلون منهم خصوصًا- من متاعب نفسية بسبب الضغط الهائل على الجبهات في ظل بعدهم عن الجو الأسري من قبل أهلهم، ما خلق الحاجة لأشخاص يستطيع المقاتلون تفريغ مشاعرهم إليهم، لذا صار مألوفًا أن نجد شابًا تعلق بصديقه بشكل كبير، بينما لجأ بعض الشباب إلى التدخين مبكرًا على اعتباره «فشة خلق»، أمّا آخرون فقد بدأوا بالتفكير بالزواج بالرغم من أعمارهم الصغيرة.
يقول أبو نذير «إن الشاب معتاد على تلقي العاطفة من عدة جهات تجعل منه إنسانًا متوازنًا، لكن بعد الشاب عن الجو الأسري وحياته الجديدة الطويلة في جو الحرب، أدى إلى اضطراب عاطفي خاصةً في مرحلة المراهقة، لذلك يلجأ الشخص إلى تعويض هذه العاطفة بمصادر بديلة قد تكون التعلق بصديق أو التفكير في الزواج، أو أن يكون له شخصية تستطيع التأقلم مع هذه الظروف الجديدة».
وحول ما إذا كان قائد المجموعة أو الكتيبة في الجيش الحر يستطيع تعويض المراهقين بشيء من حنان الأهل، ويفرغ جزءًا من مشاعرهم، اعتبر أبو الفداء أن «القائد يسد جزءًا من هذه الحاجة وأحيانًا بعض العناصر يقومون بهذه المهمة عن طريق الاعتناء بأصدقائهم والاستماع لمشكلاتهم».
أما عن ظاهرة الزواج المبكر فيعارض أبو الفداء الفكرة بقوله «أنا أعارض هذا الزواج إذا لم يكن الشاب مؤهلًا ويعي تمامًا ما يترتب عليه تجاه هذه المسؤولية العظيمة؛ وهي بناء الأسرة»، بينما ذهب أبو نذير برأي مخالف حيث قال «إن الشباب بحاجة لمن يهتم بهم ويبادلهم مشاعرهم، وفي هذه الظروف الزواج أنسب حل لهؤلاء الشباب وإن خالف ذلك التقاليد الاجتماعية المتعارف عليها في المدينة».
- حلول مقترحة ونقص في الكوادر
وعن الحلول المقترحة يقول أبو الفداء «إن الشباب بحاجة لمن يوجههم ويرشدهم تربويًا ويعلمهم دينهم»، لكنه أشار إلى فقر المدينة بمختصين تربويين، «لا يوجد لدينا أشخاص تربويون بالعدد الكافي لسد هذا الفراغ، وإن كان هناك من يقوم بها بشكل غير واسع».
ويؤكد أبو نذير النقص في الكوادر بقوله «هناك شباب يقومون بالتدريس في الجبهات ويسدون هذه الثغرة، لكن للأسف لا توجد الكوادر الكافية للقيام بهذه المهمة»، وأضاف «أغلب الذين يدرّسون هم شباب ليس لديهم خبرة كافية كما لا يوجد لدينا منهاج واضح ندرسه»، مبديًا قدرًا من تحمل المسؤولية، «لكننا مع ذلك نحاول التصدي لهذه المهمة بقدر المستطاع، والشباب لديهم استجابة للتوجيهات».
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :