بين عنف الطغاة وطغيان العنف
عنب بلدي – العدد 114 ـ الأحد27/4/2014
في مسرحية (القتلة العادلون) يقول ألبير كامو على لسان الشاب كاليالييف، الذي اغتال الطاغية المستبد، «لقد رميت القنبلة على طاغيتك، وليس على إنسان»، يرد عليه جلاده «لكنه كان إنسانًا بالفعل» ..
عندما يمارس المهمّشون العنف ضد مضطهديهم فإنهم يعتقدون أن خصمهم ليس إنسانًا، إنهم يقتلون فكرة، أو شيئًا بغيضًا، فاقد الإنسانية، لكن المعضلة هنا هو أن هذا بالضبط ما يفعله الديكتاتور عندما يمارس العنف ضد المهمشين ليقمعهم ليقهرهم، يجعل منهم أي شيء إلا ضحايا أو بشر، يحاول مسخهم أشياءً، أرقامًا، أسماء أو هويات… إلخ. يحاول بكل قوة أن يطمس إنسانيتهم، وفي اللحظة التي يتحول فيها المهمش من متمرد إلى قاتل سينجز تحوله إلى ما هو أكثر من مجرد قاتل، إلى مشروع جلاد أو حتى طاغية.
لا مشكلة في القتل الطائفي بحد ذاته، إذا ثبت أنه طريق الخلاص، طريق الحرية أو العدالة، فلا بأس به، بل لا بد منه، ومن السذاجة أو العجز الرد على البراميل بالورود، لا رد على القاتل -الطاغية- الجلاد إلا الدم.
العنف، دفاعًا عن النفس، أو للتخلص من الطغيان، في مواجهة عنف الطغاة، أكثر من مبَرر، إنه إنساني جدًا، ليست القضية في مبرر العنف فقط، ولا فقط في وسائله، رغم أهميتهما بكل تأكيد، بل أيضًا في أغراضه. وما هو «شرير» أو لا إنساني في القتل على الهوية الطائفية هو نفسه في أي حالة استخدام للعنف.
مرة أخرى إلى كاليالييف القاتل وهو يرد على «قائد» مجموعته الغاضب، لأن كاليالييف أجّل اغتيال الطاغية لأنه كان يصطحب طفلين في عربته «أنا مستعد لإراقة الدماء لأطيح بالطاغية، لكني أرى وراء كلماتك خطر طغيان جديد، طغيان إذا ما وصل إلى السلطة سيجعل مني قاتلًا – إني أريد أن أحقق العدالة لا أن أصبح سفاك دماء».
ما يسميه كامو الطغيان المتخفي في لباس العدالة، أو الطغيان من أجل العدالة، هنا العنف لا ينهي الطغيان بل يعيد إحياءه مرة أخرى، يقول كاليالييف إن عنفه يهدف إلى خلق عالم لا عنف فيه بعد اليوم، لا إكراه، لا استبداد. رفض كامو القتل أو الإعدام كعقوبة مستحقة على أي مجرم أو كتحقيق للعدالة للضحايا لا كرادع لطغاة أو قتلة جدد، حجته في ذلك شديدة البساطة: لقد قتل ملايين البشر، عذبوا، أحرقوا، قطعوا أشلاءً… إلخ، ولم ينته العنف أو الطغيان أو الإجرام، ما حدث كان العكس تمامًا، هذا يترك مهمة وحيدة فقط للعنف أو القتل: مقاومة العبودية والتخلص من الطغيان، إنهاء العنف من علاقة الإنسان بالإنسان.
السلاح شيء محايد، لا أخلاقي، تمامًا كالموت الذي ينتجه أو الحياة التي يختطفها، حياة العبيد ليست خيرًا بالضرورة ولا موتهم شرًا بالضرورة، كما يمكن أن نستخدم هذا السلاح لمواجهة جلاد أو للتخلص من طاغية، يمكن أن يستخدمه طاغية ما ليفرض إرادته على «رعاياه» لكي يستعبدهم.
الطغيان أو استعباد الآخرين هو بالتعريف إكراههم بالقوة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :