جريدة عنب بلدي – العدد الثامن عشر – الأحد – 3-6-2012
لا أحد يمكنه تحمل رؤية مشاهد المجزرة الجبانة والخسيسة التي ارتكبها النظام بحق أطفال ونساء ورجال عزّل فاق عددهم المئة والعشر أفراد، قام بذبحهم بالسكاكين من الوريد إلى الوريد، واقتلع عيونهم وقطَّع وهشَّم رؤوسهم بأدوات تستخدم لسلخ الخراف، وبطريقة
غلت المراجل في صدور الشعب السوري بمجرد رؤيته هذه الصور على شاشات التلفزة، واستشاطت كل المحافظات السورية غضبًا، واشتعلت المظاهرات في مناطق لأول مرة منذ بداية الثورة السورية، وأعلنت الكثير من المدن الحداد على شهداء المجزرة. ولأول مرة تدخل مدينة دمشق بأحيائها وأسواقها في صميم الثورة، متحديةً قوات الأمن والشبيحة على الملأ. تغلق محالهّا ومتاجرها التي لم تغلق يومًا منذ سنين وسنين إلاّ في عيدٍ رسمي أو في يوم عطلة.
في سوريا اليوم تصعيد ثوري واضح وقادم مع الأيام، متزامن مع حديث وخوف من انجرار نحو اقتتال وحرب أهلية نتيجة ما يفعله النظام السوري بأيدي علوية يصورها بشكل أكثر من مستفز. تصعيد ثوري يستقطب مدن ومناطق وفئات جديدة (موالية أو صامتة) للثورة، فما يحدث خارج عن قدرة البشر على التحمل. وسوف تحمل الأيام تطورًا وازديادًا ملحوظًا في عمل الجيش الحر وعملياته، وقد نشهد انشقاقات نوعية وعلى مختلف الصعد العسكرية والسياسية ومن مختلف تشكيلات وطوائف الشعب السوري.
هناك خوف حقيقي للأسف من انحراف الثورة عن مسارها الوطني الديمقراطي السوري الشامل. أقصد أنه يوجد خوف من انجرار نحو اقتتال يأخذ طابعًا سني علوي بدايةً ليتطور إلى حرب أهلية. ولكن هناك أيضًا بشائر كبيرة في أن تمتد هذه الثورة لتشمل جميع أطياف ومكونات الشعب السوري من أقصى حدود البلاد إلى أقصاها. ويجب ألاّ نستبعد شيئًا في الأيام القادمة. هذا التطور يحقق نوعًا من التوازن في القوى بين مكونات المجتمع السوري الثائر. ويجعل الثورة لكل السوريين، ويميّز القاتل وطائفته ويحشرهم في زاوية حادة تمامًا، تجعل كل الأوراق تسقط من يده، كالورقة الطائفية وحماية الأقليات والجماعات المسلحة والقاعدة، وكل الحجج التي أتحفنا بها وأتحف بها العالم طوال أيام الثورة السورية.
الثورة تصمد ولله الحمد بشكل ملفت أمام محاولات النظام لجرها باتجاهٍ يريده هو، وكان آخر انتصارات هذه الثورة ما حققه أهالي ووجهاء كل من مدينتي درعا والسويداء لمنع نشوب صراع بين كلا المدينتين. كانت خطوة مهمةً جدًا على مستوى الثورة السورية وقدرة شعبها (الكبير بتاريخه وتراثه) على احتواء الأزمات.
على الصعيد العربي والإقليمي
يكاد يكون المشهد العربي مرواحًا في المكان. فالدول العربية بعدما سحبت معظمها سفراءها من دمشق، وقطعت العلاقات الاقتصادية معها تقريبًا، سلمت الملف السوري لمجلس الأمن وباتت تنتظر ما سيقرره القادة الكبار، مع أن الدور الأكبر كان يُعوَّل على دول المنطقة العربية وتركيا، طالما أن الشأن شأنها وفي منطقتها. ربما يُستثنى من هذا الكلام الموقف القطري الذي كان دائمًا سبّاقًا ومتقدمًا، وربما كان جهدًا لا يتناسب مع حجم دولة صغيرة جغرافيًا وسكانيًا كقطر.
الموقف التركي كان قد أعلن بعد تورطه بتصريحات كبيرة كـ (حماة خط أحمر) أنّ حل الأزمة السورية فوق طاقته منفردًا، ولابدّ من عمل تحت سقف مجلس الأمن أو دول الناتو على الأقل. فالمواجهة ليست مع نظام الأسد لوحده، ولكنها قد تتطور لتصبح مع النظام الإيراني ومن ورائه الدعم الروسي والصيني، وهناك حزب الله صنيعة إيران في لبنان. ولكن علينا أن لا ننسى أن ما فعلته تركيا لم تفعله أي دولة أخرى، وهذا سبب غيظ النظام السوري من دولتي قطر وتركيا.
هناك نقطة قد تصنع فرقا مهمًا في الأيام القادمة، وهي نتائج الانتخابات المصرية. فخلال الأزمة السورية لم يكن لمصر، الدولة العربية ذات العدد السكاني الكبير والجيش المحترف، لم يكن لها أي وجود فاعل لصالح الثورة السورية، ولكن من المتوقع أن وصول مرسي سوف يجعل لمصر دور مهم في صالح الشعب السوري.
يمكننا القول أنّ الدول الإقليمية لا تستطيع إلا أن تضغط باتجاه حل الأزمة السورية، أو باتجاه تغير النظام القائم في سوريا بأي طريقة كانت. فما يفعله المجرم السوري لا يسمح لأحد أن يقف على الحياد. والشعوب العربية وشعوب المنطقة تراقب ما يحدث، وهناك خوف من انفجار على مستوى المنطقة بسبب القمع الوحشي الذي يتعرض له الشعب السوري على مرأى من العالم المتفرج والذي لا يحرك ساكنًا إلى الآن.
من جهة أخرى يحاول نظام الأسد تصدير مشكلته إلى لبنان ومن قبلها إلى العراق، في مسعى لتعميم الأزمة السورية لتصبح أزمة منطقة، ويصبح الحل من دون نظام الأسد غير ممكن. وهذا الشيء لن يكتب له النجاح بإذن الله. فالبوادر المرئية لا توحي بالاتجاه نحو هذا السيناريو، ومن وجهة نظري فالعالم لن يسمح بذلك.
على صعيد المجتمع الدولي
خطة عنان التي يدعمها المجتمع الدولي بأكمله، والتي تُعتبر خطة ممتازة في حقيقتها للخروج من الأزمة وللاتجاه نحو حل سياسي يجنّب البلاد احتمالات فوضوية ومجهولة. هذه الخطة ينقصها شيء أساسي ومهم ولابد من وجوده في مثل الحالة السورية، وهو التهديد العسكري في حال لم يذعن النظام ويبدأ بتنفيذ بنود الخطة. وهو ما نراه بأم أعيننا، فمن بين البنود الستة لم يلتزم النظام بأي منها ولو جزئيًا، لأنه يعلم أنّ زواله الحتمي سيكون عند البدء في تطبيقها.
هناك تراجع روسي قد يكون واضح، وربما أهمه تصريح لافروف أن الوقت لم يحن بعد لتطبيق خطوات جديدة حيال نظام الأسد. هذا يعني أن احتمال التطبيق أصبح واردًا بالنسبة للروس، وهم أعلنوا أنهم ليسوا متمسكين بالأسد ولكن يدعمون خطة عنان والحل السياسي. وربما سيكون هناك اتفاق غربي أمريكي روسي على أن يحفظ نظام سوريا بعد الأسد المصالح الروسية، وأن يكون لروسيا دور في توازن القوى في المنطقة.
سحب السفراء الأوروبيين خطوة مهمة ولها رمزيتها ومعناها السياسي. فلا يمكن لهذه الدول بعد الآن أن تتعامل مع نظام يقتل شعبه بهذه الطريقة، بغض النظر عن كونه نظام مُصدِّر للأزمات وخالق للفتن أينما حل.
نتائج التحقيق الدولي في مجزرة الحولة سوف تشكل نقطةً فارقة على صعيد مستقبل نظام الأسد وطريقة إنهائه. كل السيناريوهات يتم تجهيزها الآن، سياسيةً كانت أم عسكرية. والعالم بات يعرف مدى الضعف الذي وصل له النظام السوري، وأنه فقط بحاجة لطلقة الرحمة حتى يرتاح الشعب السوري منه والمنطقة بأكملها.
بدء تنفيذ ما سيتم الاتفاق عليه بين القوى الكبرى خلال الأيام أو الأسابيع القادمة، سيكون مفتاحه المباشر حدثًا جديدًا يشبه حدث الحولة، ولكنه سيكون الحدث الأخير والمجزرة الأخيرة. نأمل من الله عدم حدوثه وأن يتحرر الشعب السوري من طاغيته بأقل الأثمان. آمين.