جريدة عنب بلدي – العدد الثامن عشر – الأحد – 3-6-2012
شهدت مدينة دمشق يوم الأحد 27 أيار إضرابًا يمكن وصفه بشبه الكامل والذي تميز بانضمام أسواقٍ ذات ثقلٍ تجاريٍ ورمزيةٍ تاريخيةٍ لأول مرة إلى الإضرابات التي شهدتها المدينة خلال الفترة الماضية والتي كانت تقتصر فيما مضى على الأحياء الثائرة وتلك التي تشهد حراكًا ثوريًا. وتبعتها حلب في إضرابها الذي عمّ أسواق المدينة وأحياءها
لقد مثل إضراب تجار دمشق وحلب إضافةً كبرى للثورة السورية وأعطاها زخمًا كبيرًا وربما يمثل انعطافًا كبيرًا في مسار الثورة. فطيلة أشهر الثورة الماضية كانت هاتان المدينتان تمثلان الداعم الأكبر للنظام سواء على الصعيد المالي أو السياسي أو الرمزي كون أكبر محافظات القطر لاتزالان بعيدتين عن ركب الثورة وكانتا على الدوام توصفان بإنهما من قلاع النظام.
وتنبع أهمية إضراب التجار وقطاع الأعمال في دمشق وحلب من كونه يعكس موقف القطاع الخاص السوري والذي يمثل الجزء الأكبر والأهم بالنسبة للاقتصاد السوري. فالقطاع الخاص السوري يسهم بأكثر من 60% من الناتج المحلي الاجمالي كما ويشغل من العاملين ما يتجاوز ضعفي عدد العاملين في إدارات الدولة إذ أن 70% من إجمالي المشتغلين السوررين يعملون في القطاع الخاص مقابل 30% منهم يعملون في القطاع العام ومؤسسات الدولة. كما أن قرار حكومة النظام بوقف جميع العمليات الاستثمارية الحكومية وخفض النفقات الجارية إلى الحد الأدنى جعل من نشاط القطاع الخاص المحرك الأساسي للنشاط الاقتصادي. كما أن القطاع الخاص كان يسهم بالجزء الأكبر من الصادرات السورية غير النفطية قبيل العقوبات، حيث كانت صادراته تمثل أكثر من 80% من إجمالي الصادرات غير النفطية. ومع توقف الصادرات النفطية السورية نتيجة العقوبات المفروضة على هذا القطاع والتي ترافقت بتراجعٍ كبيرٍ في حجم وقيمة مستوردات القطاع العام نتيجة رفض كثير من الدول والشركات التعاقد مع الجهات الحكومية السورية بات القطاع الخاص مسيطرًا على الصادرات. لقد أدت هذه الظروف إلى أن يكون القطاع الخاص السوري هو اللاعب الأساسي في الاقتصاد الوطني سواء فيما يتعلق بالتشغيل او تأمين السلع والمواد الأساسية و تمويل المستوردات وغيرها من النشاطات الاقتصادية.
لقد شكل انضمام هاتين المدينتين إلى ثورة الحرية والكرامة ضربة موجعة للنظام هزت أركانه فانتفض النظام وشبيحته يهددون ويتوعدون دمشق القديمة بأسواقها فيما لو دعم التجار الثورة أوساروا في ركبها أو فيما لو توقفوا عن دعم النظام. وكان التهديد الأخير في يوم الإضراب بـ «جعل الحريقة اسمًا على مسمىً» فيما لو لم يتم فك الإضراب دليلًا إضافيًا على خوف النظام من ابتعاد قطاع الأعمال عنه وما يمثله ذلك من خسارةٍ معنويةٍ بالدرجة الأولى وخسارةٍ ماليةٍ بالدرجة الثانية.
ويبدو أن النظام يسير في طريق معاقبة التجار ورجال الأعمال الذين تجاوبوا مع الدعوات للإضراب وأغلقوا محلاتهم وأبوا أن يفتحوها رغم تهديد السلاح. فهاهي وزارة الاقتصاد السورية تعلن أنها «قد ضاقت ذرعًا بالتجاوزات والمخالفات الواسعة خاصة في ظل الأزمة الاستثنائية الحالية التي تواجهها البلاد منذ ما يزيد على العام…» ولذلك فإن الوزارة تعمل على إصدار قائمة سوداء تتضمن أسماء التجار الذين يرتكبون هذه المخالفات والتجاوزات.
ورغم أن هذه الفكرة فكرة قديمة طرحتها الوزارة عدة مرات فيما مضى دون أن تجد إلى التنفيذ سبيلًا، إلا أنه في هذه المرة يبدو أن النظام متمثلًا بالوزارة سيعمل على معاقبة جميع الذين شاركوا في الإضراب أو تعاطفوا مع الثورة بإدراج أسمائهم في هذه القوائم السوداء واتهامهم بالمسؤولية عن الأزمات التي يشهدها الاقتصاد الوطني والأسواق المحلية سواء لعدم توافر بعض المواد نتيجة احتكارها أو رفع أسعار مواد أخرى لتحقق المزيد من المكاسب على حساب المواطنين والوطن كما يقول أبواق النظام على الدوام.
لقد أثبت قطاع الأعمال السوري –ولو متأخرًا- أنه قطاع وطني يعيش هموم أبناء بلده ويشعر بمصائبهم رغم وجود بعض أفراده من السيئين فعلًا الذين وقفوا مؤيدين للنظام ووضعوا كل إمكانياتهم بخدمته حيث قدموا كل إمكانياتهم من أموال وأفراد لقمع المظاهرات والحراك الثوري.
علينا أن نقف مع هذا القطاع الوطني كما وقف مع ثورتناوأيدها لذلك علينا التنبه مما يسعى النظام لإيقاعنا به من معاقبة مؤيدي الثورة ظلمًأ وزورًا. علينا معرفة من وقف مع ثورتنا بحقٍ ومن وقف ضدها، من أضرب من أجل الأبرياء الذين سقطوا على يد النظام ومن تاجر بدمائهم.
علينا في أيام الإضراب أن ننزل إلى الأسواق لا لنشتري وإنما لنعرف من أين نشتري بعد إسقاط النظام.