ما العمل؟
بالهزيمة العسكرية المدويّة التي تعرّضت لها حركة أحرار الشام، الفصيل الأكبر في المقاومة السورية المسلّحة، الشهر الماضي، على يد هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)، وحالة التفكّك الراهنة التي تعيشها الحركة، ما يؤشر على تحولات جوهرية في الأجندة الإقليمية التي وقفت وراء دعم المعارضة المسلّحة الإسلامية، خلال الأعوام السابقة، فإنّ المعارضة السورية الوطنية المسلّحة أصبحت في حالةٍ من الضعف الشديد، بينما الأطراف المسلّحة الأخرى التي لا يمكن وضعها في السلّة نفسها، مثل “داعش” وجبهة النصرة، هي التي تمتلك الأرض في مواجهة حزب الله وإيران.
ما بدأت به الثورة المدنية – السلمية وقيمها شيء، وما وصلنا إليه شيء آخر. من المسؤول عن ذلك؟ النظام السوري (من وجهة نظري هو المسؤول الأول والأخير)؟ أم الدول الإقليمية (حرب الوكالة)؟ أم الدول الكبرى (التواطؤ والتخاذل) أم الفراغ الاستراتيجي العربي (بل التخبط العربي) أم أمراء الحرب في سورية؟ أم “داعش” و”النصرة” اللتان حرفتا مسار الثورة، وقلبتا الحسابات الداخلية والخارجية؟ هي جميعاً عوامل وديناميكيات لعبت الدور الرئيس فيما وصلنا إليه، لكننا – على أيّ حال- وصلنا إلى هنا، الآن، وضمن المعطيات الاستراتيجية والآفاق المتوقعة، من الضروري ألا تبقى القراءة المطلوبة أسيرة حالة الإنكار والتجاهل والمكابرة، بل لا بد من مواجهة الذات والإقرار بأنّ ما تبقى من الثورة السورية، على يد الفصائل المسلّحة، هو لا شيء، أو قريب من ذلك.
“داعش” التي تسيطر على الرقة ودير الزور خصم وعدو لقيم الثورة السورية. هيئة تحرير الشام التي بدأت بمسار، وانتهت إلى التنكيل بحليفها الاستراتيجي “أحرار الشام”، هي أيضاً في المعسكر الآخر للثورة، وهي التي تسيطر على إدلب، وتحوّلها إلى إمارة صغيرة، بعد أن وقعت اتفاقية مع حزب الله يتم من خلالها ترحيل قرابة 900 شخص من مخيمات في لبنان وعرسال إلى إدلب، وأظن أنّ مناطق تخفيض التصعيد في الجنوب ستؤدي إلى النتيجة نفسها.
أمّا الفصائل الأخرى المسلّحة ضعيفة أو تحت الوصاية الدولية والإقليمية، كما الحال في الجنوب، ولا تملك زمام أمرها. والأهم أنّ الدول الراعية للمعارضة، مثل تركيا وقطر والسعودية، قلبت تماماً أدوارها، أو تخلّت عن نفوذها، في الشهور الأخيرة، بداية من محاولة الانقلاب العسكري التركي التي دفعت إلى التقارب التركي- الروسي، وانتهاءً بأزمة الخليج الراهنة، وما بدأت تخلقه من نتائج، في مقدمتها هزيمة “أحرار الشام” وتفكيكها قبل أيام.
ما العمل؟ هذا هو السؤال المفروض اليوم على المعارضة السورية، خصوصا ونحن نشاهد مسار أستانة فاعلا بقوة، أي التهدئات والتسويات العسكرية، بينما مسار جنيف معطّل. فهل يمكن أن يتم التركيز مرّة أخرى على إعادة ترتيب البيت الداخلي السوري، وتحديداً المجتمعي – السياسي، أو إحياء الوطنية السورية الجامعة، واستعادة قيم الثورة، والخروج من حارة الوكالات الإقليمية والدولية، ومحاولة تحييد رجال البيزنس والمكاتب والعقارات الثورية الذين تحوّلوا إلى موظفين هنا وهناك.
كتب المعارض السوري، ميشيل كيلو، في “العربي الجديد” مقالاً عن التداعيات المتوقعة لاتفاق عمّان فيالجنوب السوري، وبدا متفائلاً بأنّ الاتفاق قد يؤدي إلى “نقطة تحول”، إذ حجّم عدد اللاعبين الإقليميين والدوليين والمحليين، وأطّر قواعد اللعبة، لتشمل أميركا وروسيا، ومعهم الأردن باعتباره طرفا معنيا رئيسا بالوضع في الجنوب، وأخرج إيران وحزب الله، وتركيا، والدول العربية الأخرى، ولكلّ أجندته، من دائرة اللعبة والتأثير. وتتمثل الجدلية التي تتوارى وراء فرضيات كيلو في أنّ عسكرة الثورة السورية ضربتها في الصميم، ودفعت نخبا عسكرية غير مؤهلة سياسياً إلى قمرة القيادة، وأعطت اللاعبين الإقليميين اليد الطولى فيما يحدث، بينما القوى السلمية المدنية التي وقفت وراء الثورة في البداية تراجعت. وفيما إذا نجحت مشروعات “المناطق منخفضة التوتر”، فإنها ستسمح، مرة أخرى، ببزوغ القوى المدنية والخطاب الأصلي للثورة.
رؤية متفائلة جداً، لكنها تحمل أفقاً مختلفاً عن الواقع القاتم، بيد أنّ السؤال، بعد هذه الأعوام القاسية، والتفكك الكبير في المجتمع السوري، والأجندات الدولية والإقليمية التي أضرّت بالثورة، وساهمت فيما وصلنا إليه، بعد ذلك كله، هل المجتمع السوري، أو ما تبقى منه، ما يزال قادرا على حمل قيم ثورة سلمية؟ سؤال برسم الإجابة والتفكير، طالما أن الوضع العسكري وصل إلى هذا المنعرج الخطير.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :