عنب بلدي – رهام الأسعد
في وقت كان فيه الحج بالنسبة للدمشقيين “لمن استطاع إليه سبيلًا”، أصبح بنسخته السياسية الجديدة لمن استطاع تخطي عتبة فرع المخابرات السورية “رقم 230”، أو كما يطلق عليه السوريون “فرع فلسطين”، أو بالأحرى أصبح الحج لمن يجرؤ أن يقول لعسكري في نظام الأسد “أريد أن أذهب إلى مكة مع لجنة الحج العليا التابعة للائتلاف السوري، المعارض لكم”.
ما يزيد عن خمسة آلاف سوري من مناطق سيطرة النظام سجلوا أسماءهم “خفيةً” لدى لجنة الحج العليا، مُطْمئنّين أن تسجيلهم عبر القنصلية السعودية في لبنان سيجنبهم “السين والجيم” بمجرد خروجهم من حدود الوطن إلى لبنان ومنها إلى مكة والمدينة، حيث لا يكون “للحيطان آذان” هناك.
إلا أن مفاجآت النظام السوري التي لا تنتهي لمواطنيه، طالت الحجاج المسجلين العام الجاري بعد تسريبٍ خرق آذان السوريين وتجاوز قلوبهم خوفًا، نشر في 30 تموز 2017، طالبًا من كل شخص ينوي الذهاب إلى الحج أن يتفضل بزيارة “فرع فلسطين” للحصول على “موافقة أمنية”.
يبدو الأمر بسيطًا لأي شخص غير سوري، ليس على دراية بالمثل الشعبي القائل “دخول الحمام مو متل خروجو”، فأول وهمٍ سيخطر على بال الحاج السوري عند زيارته لفرع فلسطين “كفين على وجهه” وزخٍ من الأسئلة، “كيف تذهب مع الائتلاف؟ هل تعرف أحدًا منهم أو من الجيش الكر (الحر)؟ تريد أن تذهب إلى آل سعود المشاركين في سفك الدم السوري يا خائن؟”.
وهنا ثاني ما سيخطر على باله رحلة طويلة إلى مكة كتلك التي كانت في القرن التاسع عشر، حين كان طريق الحج الشامي محفوفًا بالمخاطر ويستغرق خمسين يومًا، إلا أن الفرق هنا هو طريق غير محدد المدة والمعالم، مع احتمال أن يكون ذلك كله مجرد أوهام.
ملف الحج تحت مجهر النظام
بعد عقود عدة بصمت ووقعت عليها لجنة الحج السورية العليا وسلمتها للرياض مطلع العام الجاري، تعهدت فيها بعدم تسلل “إرهابيين” بين الحجاج، سمحت الأخيرة بتسيير أول رحلة سورية للحج بعيدًا عن أعين حكومة الأسد، تنطلق من إدلب بتاريخ 12 آب الجاري، إضافة إلى تسيير رحلات أخرى عبر مكاتبها الثمانية في دول عربية عدة.
ظنت لجنة الحج العليا أنها بسحبها ملف الحج من رف الملفات التي تسيطر عليها الحكومة السورية، وحصولها على كامل حصة سوريا من عدد الحجاج، سواء في مناطق النظام أو معارضيه، سيزيد من التسهيلات الخاصة بالحجاج، لتصطدم بـ “فرع فلسطين” الذي جعلها تتخذ إجراءات “احترازية” أوقفت معها التفييز لجميع الحجاج في مناطق النظام “ريثما تتضح الأمور”، بينما استمرت بتسيير أمور بقية الحجاج السوريين الذين بلغ عددهم الكلي هذا العام 15 ألفًا.
إلا أن النظام أبى أن يفقد أحد ملفاته المهمة بهذه السهولة، “ففرع فلسطين من بين الطرق التي تؤدي إلى مكة”، ولطالما نسفت السياسة الجغرافيا حين حاول السياسيون “المحنّكون” التلاعب بخريطة العالم، لمَ لا؟ وما الذي يمنعهم؟
والطريق إلى القدس الفلسطينية بالنسبة إلى حسن نصر الله، الأمين العام لـ “حزب لله”، لا بد أن يمر بالزبداني السورية، وطريق الحج الشامي إلى مكة لا مفر من أن يمر بـ “فرع فلسطين”، في حين لا طريق إلى أوروبا، “التي نسفها وليد المعلم من خريطة العالم”.
انسحابات بالجملة والتكلفة هي الأرخص
توقعات بانسحاب الدمشقيين هيأت لجنة الحج العليا نفسها لها، ولكن غاب عن توقعاتها وجود أشخاص أكثر جرأة ولا مشكلة لديهم في خوض غمار الطريق إلى الفرع المذكور، فعدد المنسحبين بعد القرار “المشؤوم” عوضه عدد مماثل من مسجلين جدد، كما أوضحت لجنة الحج العليا لعنب بلدي، رافضةً ذكر العدد لـ “حساسية الموقف”.
وفي حين تعرقل تكلفة الحج، التي تجاوزت 2325 دولارًا أمريكيًا، التحاق الكثير من سكان دمشق بقافلة الحجاج، لم تمنع التكلفة نفسها مضافًا عليها زيارة “فرع فلسطين” خمسة آلاف منهم من أداء الفريضة، عبر مكتب لجنة الحج العليا في لبنان.
ومع ذلك، يبدو أن على السوريين أن يكفوا عن الشكوى المستمرة من ارتفاع الأسعار، بعد تصريح مدير مكتب اللجنة في اسطنبول، سمير إبراهيم، في حديثٍ سابق إلى عنب بلدي، بأن تكلفة الحاج السوري هي الأرخص إذا ما قورنت بحجاج بقية الدول.