في يوم الشباب العالمي.. من وأد روح شباب سوريا؟

  • 2017/08/13
  • 2:24 ص

شابتان سوريتان يمشيان على أنقاض غارة جوية في مدينة دوما بريف دمشق - 29 تشرين الأول 2015 (AFP)

عنب بلدي – حنين النقري

“سلام من صنع الشباب”، هو الموضوع الذي اختارته الأمم المتحدة ليوم الشباب العالمي عام 2017، والموافق لـ 12من آب، ولعله من المصادفات الساخرة أن يفصل أقل من أسبوعين بين يوم الشباب العالمي، وبين خبر مقتل باسل الصفدي، أيقونة من شباب سوريا وفلسطين المتميزين على مستوى العالم.

فهل بقي ما يكفي من الشباب السوريّ ليحتفلوا بيومهم العالمي؟ ومن قتل السلام الذي راموا تحقيقه جنبًا إلى جنب مع الحرية والعدالة؟

“في التاسعة عشرة كنت عندما دخلتُ المعتقل، ولن يخرج مني إلا في التسعين من عمري”، يقول سمير، اسم مستعار لشاب سوريّ غادر سوريا منذ 11 عامًا، لكن خوفه من النظام لم يغادره حتى اليوم.

خطر يهدد الدولة

في ربيع عام 2004، كان سمير في سنته الجامعية الأولى، تخصص رياضيات، عندما اقتحم الأمن السوريّ منزله في دمشق، دون سابق إنذار. يقول “لم يكن يومها الاعتقال كحاله بعد الثورة، كنا جميعًا نمشي جوار الحيط ونرجو الستر، لذا كانت المداهمات والاعتقالات حدثًا غريبًا في مجتمع مجبر على السمع والطاعة منذ عقود، وهكذا كان اعتقالي، عندما فتش عناصر أمن الدولة منزلنا وأخذوا أشرطة كاسيت الأناشيد الدينية، والكتب الموجودة في مكتبتي، كقرائن أبرزها المحقق ضدي على أنني أحمل فكرًا خطيرًا على الدولة، وبدأت سلسلة العذاب”.

اللامنتمي

لم يكن في مكتبة سمير ما يدينه، فكل ما لديه من كتب أو أشرطة كاسيت متوافرة في المكتبات للعامة، لكن ذلك لم يكن ذا معنى أمام “التقرير الدسم” المرفوع لأجهزة الأمن بحق سمير، ما دفع المحامي الذي استشارته العائلة إلى نصحهم ألا يسألوا عن ابنهم، يقول “في انتظار التحقيق معي، كنتُ أسترجع كل أفعالي وأقوالي في الفترة الأخيرة، وخلصتُ إلى أن السبب هو ارتيادي دروسًا دينية في أحد المساجد بعد صلاة الفجر، واهتمامي بالقراءة وشراء الكتب، أنتمي لعائلة ملتزمة دينيًا، لكن أيًا من أفرادها لم يُعتقل سابقًا، كما أننا لا ننتمي لأي جماعة دينية، لا إخوان ولا سلفية، ولا صوفية، التيارات الأكثر شيوعًا في سوريا”.

إنكار وتعذيب

في قبو فرع الأمن، قرر سمير وبعد تفكير طويل إنكار كل التهم التي سيتلوها عليه المحقق، لكنه لم يعلم أن ذلك كان يعني عذابًا لا ينتهي، يقول “مع كل إنكار لي للتهم الموجهة ضدي كان الضرب يزيد، وأساليب العذاب تتنوع، لا أريد أن أذكر شيئًا عن تلك المرحلة لأن مجرد استعادتها من الذاكرة يعيد إلي المشاعر والأحاسيس الجسدية ذاتها، في كل لحظات انكساري كنتُ أتخيل المكان الذي يجب أن أكون فيه، في كليتي وعلى مقاعد الدارسة، وأقارن شكل الطالب الأكاديمي الذي كنتُه بالمعتقل المثخن بآلامه وجراحه، بثيابه المشبعة بالدم، وأمنيات الموت التي يتقاوى عليها بالأمل”.

وأذن صمّاء

يرفض سمير الاستفاضة في الحديث عن مشاهداته في أقبية فروع الأمن المختلفة التي تنقل بينها، يختزل ذلك بوصف حاله عند خروجه، يقول “بعد عامين كاملين، من التعذيب والضرب والتحقيق، يبدو أن أجهزة الأمن وجدت أنني إنسان عادي جدًا، وصدقت أن الكتب التي كانت في مكتبي تباع على الأرصفة وتحت جسر الرئيس، فأخلي سبيلي فجأة، خرجتُ من السجن مع عدة جلطات في أنحاء متفرقة من جسدي، وكسرين في ضلوع صدري، وأذن فقدت السمع بها، لم أكن أقوى على الوقوف لكثرة هزالي وضعفي، لكنني خرجتُ حيًا، على الأقل”.

إلى كندا

لم تمنع الفرحة أهل سمير من التفكير بعقلانية، فلا أمان على ابنهم في بلد غُيّب فيه لعامين دونما سبب، وهكذا كان القرار بسفره العاجل، يقول عن ذلك “لم يكن لي أحد في دول الجوار، وضعي الصحي كان سيئًا لدرجة لا تسمح لي بالإقامة وحدي، وهكذا وجدنا الحل في أن أسافر إلى كندا حيث يقيم أقارب من عائلة أمي، وكانت الوسيلة الوحيدة في أن أعقد قراني على إحدى قريباتي هناك، لأتمكن من السفر بسهولة وفي أقرب مدة، كان عقد القران وسيلة لسفري فحسب، كنتُ في الحادية والعشرين ولم تكن أي من ظروفي مناسبة للاستقرار العائلي، وهكذا سافرت، وبدأت بتلقي العلاج لأستعيد عافيتي الجسدية، وأسترد قدرتي على العيش كإنسان عاديّ مثل الجميع، ولا زلت أحاول أن أعيش مثل الجميع”.

في منزلنا سلاح

“مع بدء الثورة، كان وجود شباب جامعيين في المنزل مساويًا لوجود سلاح فيه، وهكذا كان أبنائي الأربعة”، يقول الحاج أبو أسامة، ستيني من مدينة حمص، ويتابع “كان مجرد وجودهم مع بعضهم تهمة بحد ذاتها، والنظام في هذا محق، فالشباب قوة، وسلاح ضد ظلمه، لهذا كان أبنائي يتوزعون في أماكن متفرقة من بيوت الأقارب والأصدقاء، خوفًا من اعتقالهم الجماعيّ”.

في وقت لاحق من عمر الثورة، وبعد سقوط مدينة حمص بيد النظام، سافر أبناء “أبو أسامة” جميعًا خارج سوريا، حرصًا على سلامتهم أيضًا، ليبقى هو وزوجته في منزلهم، يقول “كنا من قبل نرسل شبابنا إلى الخارج للتعلم، أو للعمل، لكننا اليوم نسفّرهم للحفاظ على حياتهم، لأنهم تجرؤوا وطلبوا مستقبلًا أفضل، قوة الشباب الخلاقة التي تسعى كل دول العالم إلى إخراجها من العقول إلى أرض الواقع، بينما ينفرد نظام الأسد في سعيه لوأدها تحت الأرض بكل وحشية”.

مخبرون أم مصلّون

يشير الحاج “أبو أسامة” إلى أن عمر عداء النظام للشباب قديم قدم النظام نفسه، ويدلّل على فكرته “قبل الثورة حتى، كان النظام كل فترة يصطنع فتنة، بلبلة ما، وذلك ليعرف الشباب المتميزين فكريًا، والذين يملكون ميلًا لمعارضته، فيعتقلهم ليخمد أي بذرة محتملة للتمرد عليه، وهو درس تعلّمته الأجهزة الأمنية من أحداث الثمانينيات، يجب ألا تترك بذرة التمرد تنتقل بين الشباب، بل أن تستدل عليها من إشاراتها الأولى، وخاصة بين المثقفين والأكاديميين، وهم من حلّت عليهم أشد حملاته سواء في الثمانينيات أو في ثورة 2011”.

يشرح “أبو أسامة” فكرته بمثال “تلجأ أجهزة الأمن لتعيين خطباء مساجد ممن تكسب ولاءهم وتعاونهم، لتستدرج الشباب من خلالهم (…) كم مرة لاحظنا جرأة خطيب أحد المساجد (والذي يكون مخبرًا في الوقت عينه) في التطاول على الحكومة في خطبته، أو التطرق لمواضيع حساسة بغية استدراج الشباب بالحديث حولها في جامع يغص بالمخبرين أكثر من المصلين، ومن ثم اعتقالهم”.

جامعات أم مقابر

بالنسبة للآنسة أمل، مهندسة معلوماتية خريجة جامعة دمشق ومقيمة في ألمانيا، فهي ترى أن عداء النظام للشباب يتجلى بأبرز أشكاله في الجامعات والتعليم الأكاديمي، تقول “الجامعات السورية من الأمثلة البارزة على عداء النظام لفئة الشباب، وذلك من خلال قتل روح الحماسة والإبداع فيها، تجدين طالب السنة الأولى في الفصل الأول يشع حماسًا ورغبة في التعلم والتميّز، وهو ما لن نجد له أثرًا لدى نفس الطالب في امتحانات السنة الدراسية الأخيرة، الرغبة بالخلاص بأي شكل كان، البحث عن إمكانيات النجاح بأساليب ملتوية”.

تدجين

تتساءل أمل عن المكان الذي ذهبت إليه رغبة الطالب الأولى بالتميز وروح البحث والإبداع، لتجيب نفسها “قُتلت كلها تحت أكوام المعلومات غير النافعة، مناهج التبصيم، عقليات المدرسين الجامدة، الأسئلة التعجيزية، ومعدلات النجاح المنخفضة جدًا، وهكذا وبدل أن يعيش الطالب حياة أكاديمية مليئة بالبحث والتعمق في فرع دخله عن رغبة، تقتل العقبات روحه الباحثة ويصبح همّه ترفيع المادة بأي شكل، ونسيانها فور الانتهاء منها”.

لا ترى أمل أن الجريمة بحق روح الشباب تنتهي هنا، فهي تستمر إلى ما بعد التخرج، تقول “يتحول الشاب بعد التخرج إلى موظف عادي يشبه كل (المواطنين الصالحين)، ينتظر نهاية الدوام، نهاية الشهر، ونهاية العام، ويعمل كالآلة، من يخرج من خط الإنتاج هذا تجدِينه في الغالب من المهاجرين إلى دول العالم المتقدم، الناجين من التدجين الحتمي في مؤسسات النظام التعليمية منذ الصغر، أو بين المعتقلين والشهداء”.

مقالات متعلقة

  1. في اليوم العالمي للشباب.. 24 مليونًا منهم لا يذهبون إلى المدارس
  2. ارتفاع المهور مجددًا في سوريا.. هل عاد دور "سوبر مان" للعريس؟
  3. "وين الملايين".. المدن السورية تفتقد شبابها
  4. شركة برمجيات عالمية تطلق اسم "باسل الصفدي" على أحدث إصداراتها

مجتمع

المزيد من مجتمع