كلّما أمطرت السماء فاحت رائحة عطره.. هذه حكاية قصر ابن وردان
“وريثك الوحيد ستقتله عقربة”، بهذه الكلمات تهامس عرّافون أمام أحد ملوك البادية السورية قبل أكثر من 1500 عام، فما كان منه إلا أن بنى قصرًا من الطين المعجون بالورود والأعشاب العطرة ليطرد العقارب.
في المخيال الشعبي
ابن الملك الذي عاش محبوسًا بين جدران القصر هربًا من الموت، صادف ناقة ترعى بالقرب من نافذته، فدفعه الملل لتجربة شيء جديد، كأن يلمس ظهر الناقة، فلدغته العقربة التي كانت على ظهرها بانتظار إنفاذ وعد القدر.
منذ مئات الأعوام وسكّان البادية السورية في شرق حماة، وهم يتداولون هذه الأسطورة عن أبرز معالمهم الأثرية الذي يدعى قصر ابن وردان.
وحين لانت قلوبهم في ليالي الحب، استبدلوا أسطورة أجدادهم بأخرى أكثر لينًا على مسامع العشاق، فقالوا إن “حمدة” الراعية، جميلة الوجه، ويتيمة الأم، هددها ابن عمّها المولع بها بالذبح إن لم تقبل به زوجًا.
لكن قلب حمدة لم يطاوع التهديد، بل زاد كرهها لابن عمها، وباتت ليلها في أرق خوفًا من ابن عمها الدميم.
وحين مرّت حمدة من قصر ابن وردان، تركت خرافها ترعى، وجلست تستريح في الظل، فغلبها النوم بسبب أرقها في الليلة الماضية.
واستيقظت بعد وقت على كفّ تمسّد وجهها وشعرها، وعينين غارقتين في جمالها، لتجد ابن عمّها وقد أدركها في القصر، وحين أرادت أن تبتعد عنه أحكمت رائحة الورد المنبعثة من الجدران قبضتها على قلبها، ووقعت في غرامه.
حقيقة ابن وردان
يعود بناء قصر ابن وردان إلى عهد الإمبراطور البيزنطي جوستنيان الأول، الذي تزوج من سيدة سورية تدعى ثيودورا، ابنة مدرّب دببة من مدينة منبج الحلبية.
المهندس “أيزيدور” الذي تولّى تصميم القصر، جعل منه أول بناء سوري على طراز المباني الملكية في القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية.
ويعود تاريخ بناء القصر إلى القرن السادس الميلادي، بحسب ما كُتب باللغة اليونانية القديمة على حجر من البازلت فوق مدخله الرئيسي، والذي يُحدد العام 564 كموعد لانتهاء البناء، قبل أن يختمها بعبارة “الكل لجلال الله”.
وكان القصر المؤلف من طابقين وباحة محاطة بالغرف، مصيفًا للإمبراطور جوستنيان، لكنه لم يتمتع به إلا لعام واحد، إذ كان على موعد مع الموت.
“هذا الباب صنعه الله وسيدخله كل الصالحين”، بهذه الكلمات المكتوبة باللغة اليونانية القديمة، تستقبلك الكنيسة الملحقة بالقصر. أما الثكنة التي بينت قبل سابقاتها بثلاثة أعوام فمعظمها مدمر، ويبدو أن السبب يعود لأنها كانت نقطة فاصلة بين أراضي بيزنطة وروما، وخطًا للتماس أحرقه الجنود يومًا ما.
ويعتقد خبراء الآثار أن “ابن وردان” شيخ عشيرة سكن القصر في فترة متأخرة من التاريخ، وكان البدو يجرون على عادة تسمية المناطق والمباني باسم أول من يستولي عليها، فأخذ القصر اسمه، ومن بعده المنقطة التي تسمى اليوم “قرية قصر ابن وردان”.
وإلى اليوم كلما أمطرت السماء فاحت رائحة الورد من جدران القصر الذي زُينت أجزاء منه بالفسيفساء، وبات اليوم أشبه ما يكون بخرابة.
معارك قرية قصر ابن وردان
عام 2013 تداول ناشطون مقاطع فيديو عبر يوتيوب، تُظهر معارك شرسة بمحيط القصر بين قوات المعارضة وقوات الأسد.
ولم تتردد قوات الأسد بقصف القصر بالصواريخ والبراميل والقذائف وإحراق محيطه، وتداول ناشطون أخبارًا عن عمليات تخريب ونهب لآثار القصر، تبادل كل من النظام والمعارضة الاتهامات في المسؤولية عنها.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :