ليس سراً أن هناك توجهاً دولياً لإبقاء الأسد رئيساً في المرحلة الانتقالية، سيليه توجه أشد لمشاركته في الانتخابات المقبلة بعد الحل السياسي، وربما لتنفيذ الشعار الشهير «الأسد للأبد».
هذا ما تريده روسيا وما أعلنته منذ بداية تدخلها غير المباشر في الدفاع عن النظام، وقد صار هدفاً لها بعد التدخل المباشر قبل عامين، ولم يكن أحد يوافقها أو يفوقها حماسة للدفاع عن بقاء الأسد غير إيران، فهي تعتقد أن غياب الأسد سيعني غياب حضورها كله في المنطقة، فهو مفتاحها لدخول لبنان والسيطرة على مقدراته، وهو داعم امتلاكها للقرار في العراق. ولن أتحدث عن الموقف الإسرائيلي الذي يخشى انتصار الثورة السورية، فما يعنيني هنا هو موقف أصدقاء سوريا الذي يشهد تبدلات حادة ربما عبر عنها إعلان ماكرون وقبله جونسون وقبلهما نيكي هايلي التي صرحت ثم اعتذرت. وثمة التصريحات والتلميحات في الحديث المتواتر عن ذريعة عدم وجود بديل للأسد، ومثل هذا الكلام ليس فيه احترام لائق لشعب سوريا العريق ممن لا يرون فيه رجلاً واحداً جديراً بأن يكون رئيساً لجمهورية مدنية ديمقراطية، وشعبنا لا يبحث اليوم عن ديكتاتور أو مستبد.
لقد كانت الإدارة الأميركية السابقة أول دولة أعلنت أن الأسد فقد الشرعية، وكادت تشن حرباً بعد أن أدين عالمياً باستخدام الكيماوي في الغوطة، والجميع يعلمون أن الجهد الروسي نجح في إيقاف الحرب الدولية، واكتفى الجميع بإلقاء القبض على السلاح وترك المجرمين بلا عقاب أو مساءلة. وحين جاء الرئيس ترامب جدد إنذاره إلى حد قصف المطار الذي استخدم منه النظام السلاح الكيماوي ضد خان شيخون، وسبق لي أن وصفت تلك الضربة بأنها ضربة على الطاولة للتحذير من استخدام الكيماوي، ومع أنني ضد أي تدخل أجنبي عسكري في سوريا، فقد كنت منذ البداية من دعاة الحل السياسي، إلا أنني والكثرة من السوريين فقدنا ثقتنا في جدية موقف المجتمع الدولي (على الأعم) من الجرائم الكبرى التي ترتكب ضد شعب قتل منه نحو مليون إنسان وتعرض نحو مليونين منه للإعاقة، واعتقل منه نحو مليون، وشرد منه 14 مليوناً بين نازح ومهجر قسري ولاجئ! ومع ذلك يريد بعض المجتمع الدولي أن يكافئ من ارتكب كل هذه الجرائم فيمنحه شرعية جديدة، غير مبال بمشاعر ملايين السوريين من ضحايا هذا النظام المسؤول وحده عما حدث، فهو الذي اختار الحل العسكري منذ بداية الأحداث، وهو الذي دمر القرى والمدن واستباح دماء السوريين وقادهم إلى القتال مجبرين للدفاع عن حياتهم وأعراضهم، وقد استمروا في احتجاجاتهم السلمية ثمانية أشهر يتحملون الموت اليومي، ولولا أن النظام زج الجيش بكل قواه لمحاربة الشعب لما انشق آلاف الضباط الذين أسسوا الجيش الحر وبدؤوا الدفاع عن أهلهم.
ولقد فوجئ الشعب بكون النظام يستقدم المحتلين إلى سوريا، فقد أدخل جيوش «حزب الله» وإيران، وميليشيات الإرهاب الدولي حتى باتت بمئات الأسماء، وأطلق سراح المتطرفين والمتشددين دينياً كي يخلط الأوراق وهو يعرف أن هؤلاء لا يملكون مشروعاً وطنياً وأنهم سيحاربون الجيش الحر والثوار، وسيرفعون شعارات تؤكد دعواه بأنه يواجه متطرفين.
وما أظن دولة في العالم يخفى عليها سر «داعش» وأمثالها، فهي لم تنبت في الأرض السورية ولم تخرج من جوف المجتمع السوري، وزعماؤها جميعاً استقدموا من الخارج، ورعتهم إيران بوصفها الدولة الراعية للإرهاب في العالم.
ومشكلتنا اليوم لم تعد مع النظام وحده، فحين تعرضت سوريا للاحتلال، صارت القضية أخطر وأعم، فظهرت مواقف مستجدة من المعارضة، وسعت نظرتها للقضية، فبات همها استقلال سوريا وطرد الغزاة منها، وإيقاف نزف الدم، وإنهاء معاناة الشعب التي بلغت حداً لا يحتمل ولا يطاق على صعيد إنساني، وقبلت الهيئة العليا للمفاوضات بتشاركية مع النظام، وأعلنت ذلك في رؤيتها بدوافع واقعية، لكنها اشترطت في بيان مؤتمر الرياض بألا يكون للأسد ومن شاركه من المجرمين دور في المستقبل السياسي، وأن تنتقل صلاحيات الرئاسة إلى هيئة حكم انتقالي، كما في بيان جنيف والقرارات الدولية. ومع ظهور توجهات دولية تروج لبقاء الأسد وظهور حملات شعبية سورية ترفض ذلك رفضاً قاطعاً، جاءت تصريحات الخارجية السعودية تشد أزر الشعب السوري، وتطمئنه إلى ثبات مواقف الأشقاء، وتكشف زيف ما تشنه الحملات المضادة والهادفة إلى زعزعة الثقة. ولا يخفى على أحد أن بقاء الأسد سيجدد الصراع ويعيد الحال إلى نقطة الصفر، وأي انتصار عسكري للنظام لن يكون ضمان استقرار ما لم يتحقق حل عادل ومقبول على صعيد شعبي.
ومن غرائب ما يحدث في المجتمع الدولي أن يقول بعض أصدقاء سوريا إنهم معنيون بمحاربة الإرهاب، وتبريرهم هو حاجتهم إلى أن يقوم النظام بمساعدتهم بمحاربة الإرهاب.