عنب بلدي – العدد 112 ـ الأحد13/4/2014
عندما يضمر الحس الثوري والشعور بالمناطق المنكوبة من قبل الشريحة الثورية، نلجأ حينها لأن نستجدي بالإنسانية التي قد تكون مازالت تتملك بعض الضمائر في معترك الأنا الخالصة للنجاة من شبح الجوع والحصار، وبعد أن تم هذا الأمر للعديد من المناطق يستلزم بعدها أدنى الشعور الإنساني الالتفات لمعاناة الباقين تحت قيد هذه المأساة العظيمة.
كل الأنظار توجهت لمخيم اليرموك دون غيره من المناطق الجنوبية بداية الأمر، ونجحت في التخفيف عنهم دون سواهم. قيدت كل الحملات الإغاثية والإنسانية للمخيم وحده، ونجحت المبادرات، تحت الضغط الذي قام به الناشطون. بعد برهة هادنت واستسلمت بعض المناطق المحاصرة في المنطقة الجنوبية، وكان لها ما أرادت من وصول لقمة العيش، بل واكتفت وخزنت أيضًا.. (ببيلا، يلدا، بيت سحم). لكن بقي هناك مناطق تعاني الأمرين، استنفذت كل سبل الصبر الإرادي حتى غدا صبرًا إلزاميًا لا يملكون به حولًا ولا قوة سوى الفرار للنظام وتسليم النفس مقابل وجبة غذاء.. (الحجر الأسود، القدم، التضامن).
ذلك التناقض الذي تعيشه الثورة تجاه هذه المناطق، من الثورة والسياسيين والناشطين، يبدو جليًا، فبدلًا من أن تدعم هذه المناطق بالصمود بالسلاح أو بالغذاء على أقل تقدير، لتبقى صامدة وتحرم النظام من فرصة بسط السيطرة الكاملة على العاصمة، نرى تصرفات التجاهل، وأحيانًا العمل المقصود مع النظام، لإنهاء وجود الثورة في هذه المناطق. السلوك الذي يشير إلى رغبة بعض التكتلات العسكرية الثورية والسياسية في التغيير الديموغرافي لخارطة العاصمة، والذي بات ملحوظًا وبشكل جلي من خلال دفع المناطق المذكورة وإجبارها على الاستسلام والانسحاب من العاصمة باتجاه المناطق الجنوبية، حيث تنحدر أصولهم من تلك المناطق، وسياسة ضمنية تعتبر أن دمشق ليست إلا للدمشقيين، ما يتنافى مع الوظيفة الاجتماعية التي قامت عليها الثورة، بل ومع الحس والتخطيط العسكري بجعل خاصرة العاصمة الثورية قوية لسهولة الحسم عندما تبدأ معركة دمشق.
زهاء السنة ونصف لم تقم أي من الكتائب بمحاولة فك الحصار عن المنطقة الجنوبية، ولم يولِ الائتلاف للمنطقة أي دعم سياسي أو مادي للنهوض بوجه الحصار الخانق واستعادة الأنفاس وشد عزيمة الصمود، كما لم يقم النشطاء بحملات الضغط الكافية على الهلال والصليب الأحمر لإدخال الغذاء إلى هذه المناطق، التي لا يقارن جوعها بمناطق أخرى، رغم نجاحهم في مخيم اليرموك والغوطة الشرقية وحمص، ولو لسد الرمق لا أكثر.
وها هي الحجر الأسود على أعتاب المصالحة مع النظام، تنتظر جرعات الصمود كي لا تهادن هذا النظام الغاشم. ترسل الرسائل الواحدة تلو الأخرى لتحرك الضمائر لنجدتها في آخر أنفاسها، تنتظر الدعم وهي جاهزة بعد تلقيه لإطلاق اللوم على ثوارها عن أي تقصير قد يحصل.