الحرب تضع أوزارها دون حل

  • 2017/08/06
  • 12:29 ص
محمد رشدي شربجي

محمد رشدي شربجي

محمد رشدي شربجي

على الرغم من قسوتها ووحشيتها وانتهاكها لأبسط حقوق الإنسان، اعتبر المبعوث الأممي إلى سوريا دي مستورا منذ البداية أن الهدن المعلنة من قبل النظام والمعارضة المسلحة (يسميها النظام مصالحات وطنية) تشكل “حلًا ما” للقضية السورية المستعصية، وهكذا اعتبر أن تهجير من بقي من سكان مدينة حمص إلى ريفها الشمالي في منتصف 2014، مع أنه لا يجلب حلًا لسبب الحرب أساسًا، إلا أنه حقق هدفًا لدي مستورا بتوقف القتال، وهذا منطقي طبعًا، فمن غير المعقول مثلًا أن تقصف قوات الأسد مدينة لا يوجد فيها أي مخلوق حي أساسًا.

دعم هذا التوجه دوليًا حدث هز العالم حينها، وهو إعلان البغدادي لخلافته الإسلامية الممتدة من الموصل في العراق إلى شرق حلب في سوريا بحرب مفتوحة على جميع الأطراف، حينها باتت بوصلة العالم هي الحرب على الإرهاب، تشكل تحالف من عشرات الدول لمواجهة هذا التنظيم، كان داعش ضرورة ملحة للعالم الذي أثقلته المأساة السورية، وللنظام السوري طبعًا الذي بات شريكًا موثوقًا في الحرب على الإرهاب، وهو ما دفع الكثيرين للاعتقاد بأن هدنة بين النظام والمعارضة من أجل التفرغ للعدو المشترك باتت ممكنة.

وبناء عليه اقترح دي مستورا خطته في أواخر 2014 التي عرفت حينها بخطة تجميد القتال، والقائمة على تجميد القتال في مدينة حلب بداية وباقي مناطق سوريا، ومن ثم دعم المجالس المحلية في المناطق لتتولى السلطة هناك، كانت خطته تطويرًا لفكرة المصالحات الوطنية لدى الأسد الذي يحرص دي مستورا على التأكيد على شرعيته مع محاولات إبقاء المعارضة في أماكنها. لم يؤخذ بخطة التجميد هذه في وقتها، لكن منطقها مازال مستمرًا.

وبسبب تشرذم المعارضة السورية وغياب أدنى تنسيق بين قواتها وألويتها، استغل النظام هدن المدن للاستفراد بجوارها، وإعادة توزيع قواته على مستوى الجمهورية، ولم تكن هذه الهدن مكتوبة بكثير من الأحيان ولم تكن بضمانة أحد طبعًا، وهو ما سهل على النظام بعدها خرقها حين أصبحت ظروفه مواتية لذلك، وهكذا باتت هدنة مدن ريف دمشق الغربي فرصة للاستفراد بداريا والمعضمية، ثم هدنة المعضمية فرصة للاستفراد بداريا التي كانت هدنتها (تهجيرها) نقطة تحول كبرى في تاريخ الثورة السورية، تبعها على الفور هدن مشابهة في كل مدن ريف دمشق الغربي وصولًا إلى حلب وغيرها. لقد استطاع النظام من خلال الهدن ضبط الثورة على إيقاعه الخاص.

بعد سقوط حلب آخر معارك الثورة السورية ضد النظام، فقدت الثورة كل الأوراق وقتها، وبعد هزيمة الثورة في الأسابيع الماضية في إدلب فقدت بالتالي أبرز معاقلها وآخرها، ومع سياسة أمريكية لا ترى في سوريا إلا تنظيم “الدولة”، باتت المعارضة اليوم في وضع يجبرها على التوقيع على أي شروط تقريبًا.

لقد استطاعت روسيا وضع يدها على سوريا كليًا، وهي تريد من تدخّلها أن يكون بوابة عودتها نحو الشرق الأوسط والساحة الدولية وهو ما تحقق، وما يعجبها طبعًا أنها في موقع من يريد الجميع رضاه ليؤمّن له موضع قدم في سوريا، وفي هذا الإطار يمكن فهم اتفاقيات تخفيف التوتر التي تشرف عليها في سوريا، إنها فرصة روسيا لإرضاء أمريكا في الجنوب، وإرضاء تركيا في الشمال وإيران في الوسط، وتفريغ النظام للتوجه نحو دير الزور، ولكن ماذا بعد الهدن؟ لا أحد يريد الحديث عن ذلك، وحتى الوصول إلى اتفاق روسي أمريكي سيبقى كل شيء معلقًا، لقد وضعت الحرب أوزارها، ولكن دون حل.

مقالات متعلقة

  1. مفاوضات العبث
  2. الحرية الحرام
  3. دي مستورا: الأسد جزء من الحل في سوريا
  4. دي مستورا يزور دمشق الأسبوع المقبل

رأي

المزيد من رأي