عنب بلدي – مراد عبد الجليل
”السيطرة على الموارد الاقتصادية“ كان عنوان الصراع المتجدّد الذي شهدته محافظة إدلب شمال سوريا، الشهر الماضي، بين “هيئة تحرير الشام” و”حركة أحرار الشام”، وإن كان ظاهر الاقتتال السيطرة الجغرافية وبسط نفوذ أوسع لكل جهة، إلا أن محللين أرجعوه إلى بسط النفوذ على أهم الموارد الاقتصادية.
اتهامات وُجّهت لـ ”هيئة تحرير الشام“، التي تمكّنت من توسعة نفوذها، بأنها ستحاول إضافة مورد إلى جملة مواردها، المتمثلة بالكهرباء والماء والمعابر وخاصة معبر باب الهوى وغيرها، عن طريق فرض جهازها الإداري (الإدارة العامة للخدمات) نِسبًا من الدعم المقدم للمنظّمات أو المجالس المحلية العاملة، وفرض نسبة من الدعم بشكل عيني كبضاعة أو نقدي كأموال، بحسب ما قاله الباحث الاقتصادي، أيمن الدسوقي، في حديث إلى عنب بلدي.
المنافذ الاقتصادية
معبر باب الهوىيقع باب الهوى شمال إدلب على الحدود السورية التركية ويقابله من الجانب التركي مدينة الريحانية، ويعتبر مركز بوابة سوريا الأولى تجاه تركيا وأوروبا. خلال سنوات الثورة شهد المعبر سيطرة أكثر من طرف، نتيجة أطماع الكثيرين بجمارك الموارد المالية الكبيرة، إذ يعتبر أهم مورد للجهة التي تسيطر عليه من جراء دخول الشاحنات التجارية وحركة عبور المدنيين. “الجيش الحر” سيطر على المعبر في 19 تموز 2012 ليكون أول معبر حدودي مع تركيا يسقط بيد فصائل المعارضة السورية، قبل أن تهاجم “الجبهة الإسلامية”، مقرات هيئة أركان “الجيش الحر” والمستودعات التابعة لها. وفي 21 نيسان 2015 أعلنت “حركة أحرار الشام الإسلامية” تسليمها المعبر لإدارة “مدنية”، تشرف هذه الإدارة على حركة التنقل وإدارة الهجرة والجوازات بين تركيا وسوريا، لكن البعض رأى أن الإدارة تابعة لها. الإمساك بعصب المحافظة ورئتها إلى الخارج دفع “هيئة تحرير الشام”، الشهر الماضي، إلى الهجوم عليه ما أدى إلى انسحاب الحركة منه. وأعلنت “الهيئة” أن المعبر سيسلم لإدارة مدنية، لكن البعض اعتبر أن الإدارة ستكون تابعة لها، وبالتالي العائدات المالية ستذهب إلى جيوب الهيئة. |
وحاولت ”الهيئة“، خلال الأشهر الماضية، وضع يدها على كامل الموارد الاقتصادية في المنطقة، ما أدّى في مرات عديدة إلى صدامات واشتباكات بينها وبين الفصائل، لأن من يستولي على اقتصاد المحافظة يبسط سيطرته العسكرية فيها.
في أيار الماضي، أصدرت “هيئة تحرير الشام” بيانًا أعلنت فيه تأسيس ما يُسمى بـ “المؤسسة العامة لإدارة النقد وحماية المستهلك”، هدفها تنظيم عمليات الصرافة ومنع الاحتكار والتلاعب بأسعار العملات.
لكنّ محللين اعتبروا أن هذه الخطوة تهدف للسيطرة على إدارة سوق الحوالات والتحكم بحركة الأموال والتحكّم بمكاتب الصرافة تحت حجج متعددة، خاصة وأن الإعلان عن تشكيل المؤسسة جاء بعد مداهمة لعدد من مكاتب الصرافة ومصادرة الأموال.
وإلى جانب الحوالات المالية عملت “الهيئة” على فرض نفسها في قطاع الكهرباء بعد معركة بيانات مع “حركة أحرار الشام”، لتعلن الشهر الماضي، في بيان لها دمج مؤسستها الكهربائية مع المؤسسة التابعة للأحرار، الأمر الذي نفاه مسؤول الخدمات في “هيئة إدارة الخدمات” التابعة للأحرار، أبو الزهراء المدني، لعنب بدي.
الباحث الاقتصادي أيمن الدسوقي، اعتبر أن إعلان ”الهيئة“ ونفي ”الأحرار“ مؤشر على أن المعركة بينهما ليست فقط متعلقة بالجناح العسكري، وإنما صراع بين الجهازين الخدميين للفصيلين، ومحاولة من ”الهيئة“ لالتهام أي أجسام خدمية تقف في وجه سيطرتها.
وأشار الدسوقي إلى أن من يمسك خطوط الكهرباء يمسك اقتصاد المنطقة، لأن كل شي يعتمد على الكهرباء، مثل المخابز ومضخات آبار المياه، خاصة وأن اقتصاد إدلب قائم على الزراعة بشكل أساسي، وبالتالي تحتاج إلى الماء والكهرباء، اللذين يعتبران عصب الحياة لأي مجتمع.
”الهيئة“ تناور في باب الهوى
أما المعابر، وخاصة معبر باب الهوى الحدودي، ولكونه يمثل مردودًا ماديًا للجهة التي تسيطر عليه، إن كان من دخول وخروج الأشخاص أو دخول البضائع، دأبت ”الهيئة“ للسيطرة عليه وتمكنت من ذلك في الهجوم الأخير بذريعة ”تحرير أسرى للهيئة لدى الأحرار في المعبر“، وأنه كان منطلقًا لهجوم ”أحرار الشام“ على مواقع ”الهيئة“ في سرمدا، إضافة إلى رفض “الأحرار” تسليم المعبر لجهة مدنية، بحسب ما قاله عماد الدين مجاهد، مدير العلاقات الإعلامية في “الهيئة” لعنب بلدي في وقت سابق.
وعقب السيطرة على المعبر قالت ”الهيئة“ إنه سيكون تحت إشراف إدارة مدنية، لكن ناشطًا إعلاميًا، رفض كشف اسمه لأسباب أمنية، أوضح لعنب بلدي أن “الإدارة المدنية ستكون تابعة لإدارة إدلب، والتي تتبع للهيئة، بعلم الجميع، فكل العائدات المالية ستذهب إليها تحت مسميات مؤسسات مدنية”.
الدسوقي اعتبر أن الهيئة تناور في المعبر عبر طروحات عديدة، منها تسليم المعبر لجهات عسكرية مثل ”نور الدين الزنكي“، أو تسليمه لهيئة إدارية من أجل امتصاص الغضب الشعبي الذي يتخوف من توقف دخول المساعدات وحركة العبور .
وأشار الدسوقي إلى أن ”الهيئة“ ستكون متحكمةً بالمعبر ولن تفرّط به، لأنه لا يمكن أن تخوض معركة تعتبر من أكبر المعارك مع الأحرار ثم تسلمه لجهة أخرى.
كما توجد المعابر بين مناطق المعارضة والنظام السوري التي تستفيد منها “الهيئة” بشكل كبير، عن طريق فرض رسوم وضرائب وأتاوات على الشاحنات، كما يقول الناشط الإعلامي، الذي ضرب مثالًا على ذلك معبر قرية الرهجان في ريف حماة الشمالي الشرقي، إذ تفرض ”الهيئة“ على شاحنات السّكّر الداخلة من مناطق النظام مبالغ مالية.
عنب بلدي حاولت التواصل مع “هيئة تحرير الشام” للرد على هذه الاتهامات وتحدثت مع عماد الدين مجاهد، إلا أنه رفض الإجابة في الوقت الحالي، لأسباب أرجعها إلى الانشغال باللاجئين السوريين الذي وصلوا من عرسال اللبنانية إلى إدلب، الخميس الماضي، بعد اتفاقية مع “حزب الله”.
انتظار مصير إدلب المجهول
توسعة ””الهيئة”“ لنفوذها طرح عدة تساؤلات حول مستقبل المحافظة عسكريًا واقتصاديًا، وكيف سينعكس ذلك على الواقع المعيشي للمواطنين، وسط تخوّف من إيقاف المنظمات المانحة للدعم، إضافة إلى تحليلات سياسية عن تحوّل إدلب إلى موصل ثانية، خاصة عقب تهديد الخارجية الأمريكية في بيان لها ومطالبة الجميع الابتعاد عن “الهيئة”.
وكانت منظمات وشبكات سورية نفت إنهاء أي من مشاريعها، أو تأثر التمويل من المانحين لمختلف المشاريع الإنسانية، بسبب الاقتتال الأخير، وسط تأكيدها على استمرارها تقديم المساعدات وإيصال المعونات للمحتاجين دون تأثير، لافتةً إلى أنها ستراقب الوضع الميداني عن كثب، وإصدار تحديثات في حال حصول تطورات مهمة ومؤثّرة.
من جهتها أصدرت “الهيئة” بيانًا، في 31 تموز الماضي، أوضحت فيه أنها تعمل على “ترسيخ مبدأ الحيادية واستقلالية المنظمات الإنسانية، وتسعى لإزالة العقبات أمامها من أجل إيصال المساعدات لمستحقيها”، داعية جميع الجهات الفاعلة على الأرض إلى تحييد المؤسسات الإنسانية والمدنية القائمة على “خدمة المحتاجين”.
معبر باب الهوى، عقب سيطرة “الهيئة” عليه، أوقف إدخال مواد البناء بحجة إعطاء الأولوية للقوافل الغذائية خوفًا من التلف، وبالرغم من انتشار أنباء عن استئناف إدخالها إلا أنه لم يُدخل سوى بضع شاحنات فقط ما أدى إلى ارتفاع أسعار مواد البناء.
الدسوقي اعتبر أنه خلال شهرين سيدخل فصل الشتاء، والمنطقة بحاجة إلى توفر المازوت والطاقة والبنزين، وأن منع المحروقات من الدخول على غرار مواد البناء سيؤدي إلى ارتفاع في الأسعار بشكل كبير والذي سيتحمل تكلفته المواطن.
كما أن التهديد وارتفاع المخاطر الأمنية، خلال الفترة الماضية، سيؤدي إلى احتكار المواد الأساسية أكثر ما قد يؤثر على اقتصاد المنطقة، كما ستؤدي أي عملية عسكرية ضد ”الهيئة“ إلى توقف كل المشاريع التنموية والزراعية والنشاط التجاري وقلة البضاعة، ما سيؤثر سلبًا على اقتصاد إدلب.
ويبقى المواطنون في إدلب ينتظرون ما ستؤول إليه مدينتهم وسط تخوّف من تحولها إلى ساحة تصفية حسابات بين الدول الكبرى، في وقتٍ لا مكان للنزوح إليه، بعد إغلاق الحدود التركية، سوى مناطق سيطرة النظام السوري أو المناطق الخاضعة لـ ”قوات سوريا الديمقراطية” التي باتت تحيط بالمنطقة من كل جانب.