عنب بلدي – العدد 111 ـ الأحد 6/4/2014
استولى الجيش السوري على معظم موارد البلاد طوال نصف قرن، بل واستنزف معظم القوى العاملة والقوى الاجتماعية والسياسية، بلا أي مردود إيجابي، بل بمردود سلبي ومدمر للبلاد.
استنزف الجيش القوى العاملة بتطويع ألوف الشبان الذين كان يجب أن يتحولوا إلى الصناعة
والزراعة والخدمات المتطورة، وربما إلى التكنولوجيا الحديثة من برمجيات وصناعات الكترونية أسوة بالبلدان التي تطورت وسبقتنا مثل كوريا الجنوبية وماليزيا وتايلند، بدلًا من أن يجرنا الجيش إلى جانب القوى المتخلفة والعدائية مثل كوريا الشمالية وكوبا وإيران وما إلى ذلك من دول فاشلة.
أما من ناحية القوى الاجتماعية والسياسية فقد قام الجيش طوال تمدده السرطاني في خلايا المجتمع بتمجيد الجهل مثل شعار الجيش الشهير الذي كنا نتلقاه على الباب الرئيسي «صفر الجيش ستين» والطاعة العمياء إلى حد العبودية وتحقير المجتمع واعتبار كل مدني مجرد حشرة يمكن معسها بالحذاء العسكري الجلدي الملمع.
ولعل سلوك الجيش العدواني والعبودي في هذه الثورة لا يحتاج إلى برهان، فعشرات آلاف الضباط وصف الضباط والجنود تربوا على نداء العبودية الصباحي «قائدنا إلى الأبد»، بالإضافة إلى العبادة الفعلية بأركانها التامة للقائد من قبل أجهزة المخابرات العسكرية والجوية.
وطوال هذه المذابح لم تقم أي من قطعات الجيش بموقف مشرف واحد لوقف القتل والتعذيب والتهجير والهدم المتوالي طوال الليل والنهار، وأقصى فعل إيجابي جاء من أفراد شرفاء رفضوا القتل وانشقوا ولكنهم لم يكونوا قادرين على شق فرقة واحدة أو حتى كتيبة واحدة، في حين أننا نجد قوات الجيوش الأخرى ترفض أي اعتداء على المدنيين مهما كانت عقوبات الأوامر العسكرية ملزمة، فالوطن والبشر ليسوا أقل منزلة من أوامر القائد الطائفي السادي، فالصين ورغم نظامها الشمولي رفض قائد جيشها الخامس الاعتداء على المتظاهرين في ساحة (تيان ان من) مما اضطر القيادة الصينية لتحريك قطعات أخرى لتنفيذ الأوامر، بينما نجد جيشنا الذي فر وبشكل جماعي في معظم المعارك التي خاضها، نجده يخضع وبإذلال لأوامر القتل والتعذيب والتهديم التي يستمتع بها قادته المجرمون.
هل يلزمنا هذا الجيش في المراحل القادمة، وهل تحتمل الأجيال التي بعدنا هذا الحمل الثقيل فوق كواهلها وعلى حساب كرامتها؟
لا شك بأننا شعرنا جميعًا بالغضب عندما قام الأمريكان المحتلون للعراق بتسريح الجيش العراقي، ولعل مخططين كثر شعروا بالغضب مثلنا، وحتى الإدارة الأمريكية شعرت بالندم على هذه الخطوة المتسرعة والمدمرة للكيان العراقي. لكننا اليوم وبعد أن ذقنا كل هذه الشرور من جيشنا «العقائدي البطل» ألسنا موافقين على الخطوة المرة والثقيلة والمكلفة، وهي خطوة تسريح هذا الجيش الذي خان البلاد في كل هذه المجازر وفي كل هذا التاريخ الأسود من القتل ومن التعذيب؟.
فالروس الذين سلحوا جيشنا ودربوا ضباطه زرعوا فيه هذه الروح الخيانية بالإضافة إلى تكريسهم روح الجهل فيه واحتقار العلم وعدم الكفاءة لضمان اعتماده الدائم عليهم، مما يجعل روسيا كما نراها اليوم شريكًا في احتلال البلاد مع الإيرانيين الذي ابتلعوا المافيا المخابراتية العسكرية التي كانت تدير هذا الجيش.
إن جيشنا الذي صنعه الآخرون لم يخدم بلادنا لأنه كان غريبًا عنا وحاقدًا علينا إلى درجة الدمار الشامل. آن لنا أن ننظر إلى الأمام بقوة وبصراحة وبجرأة لنتخلى عن هذا الحمل الجهنمي الثقيل، أو أن نشارك بتواطؤ ضد الأجيال القادمة بالإبقاء على هذا الجيش الفاقد للقيم الوطنية، والفاقد حتى للقيم العسكرية والكرامة التي تتطلبها مهنيته، ناهيك عن فقدانه للعلوم العسكرية الحقة وعدم إتقانه لمهامه الحربية التي جرجرته من هزيمة إلى أخرى. ففي كل البلدان الغربية وحتى الشرقية كان الجيش قدوة للناس وحافزًا على التقدم العلمي والتقني، فمواهبه الفنية سرعان ما تثري مجتمعه وتطوره وتشاركه في إنقاذ الناس في المجاعات أو في الكوارث وحتى في إنتاج الغذاء وبناء المدن، وتخريج العقول النيرة التي سرعان ما تساهم مع قوى المجتمع الأخرى في إدارة المجتمع وتصحيح مساره في تحديات العصر اللامتناهية، أما جيشنا الباسل فلم نر منه إلا التعذيب والهدم وترويج الجهل والافتخار بالقيم البالية وتكريس الطائفية، واحتقار المجتمع من أجل تعظيم حافظ أسد «القائد التاريخي الفذ» الذي كان لا يقرأ ولا يكتب غير التقارير والخطط التآمرية، ناهيك عن أنه كان يفاخر أمام زواره بأنه لم يقرأ كتابًا واحدا في حياته، فكل مواهبه الخبيثة كانت تنحصر في تحقير المجتمع ونشر التعذيب والقهر.. حتى وصل الإذلال إلى أبعد بيت في أبعد قرية في سوريا.
إن البدء بالتفكير بالبدائل الوطنية النزيهة هو واجب كل الثوار من عسكريين ومدنيين وخبراء ذوي توجه جدير بمكانة هذه البلاد وبمستقبلها الذي استشهد فيه عشرات ألوف الشهداء، وتعذب وتشرد الملايين من السوريين من أجل أن يكون مستقبلًا مشرفًا لنا وللأجيال القادمة.