الشهادة أم النصر؟ لا عشنا ولا عاش الوطن
عنب بلدي – العدد 111 ـ الأحد 6/4/2014
كثيرًا ما غُرست في أذهاننا مفاهيم من قبيل أن الوطن يُسقى بدماء شهدائه، وتربينا على فكرة “النصر أو الشهادة”، فالموت حاضر في كل تفاصيل حياتنا، فداء لوطننا وأرضنا، ولسنا هنا بصدد الحديث عن الشهادة وفقًا للنصوص القرآنية والأحاديث النبوية، ولكن نتحدث عن مفهوم «نموت ويحيا الوطن».
تسأل هنا: ما معنى كلمة وطن؟ سيقولون: هو البيت، وشجرة التوت، وقن الدجاج، وقفير النحل، ورائحة الخبز والسماء الأولى، فالوطن أنا، الوطن أنت، الوطن حبنا ومستقبلنا، الوطن حلم جدي الذي مات بعد أن ورّث حلمه لأبي كي يكمل المشوار، الوطن قصيدة حب كتبتها صديقتي، ولحّنها عاشق أهداها لحبيبته كي يفرشا وطنهما بالورود والأزهار، الوطن هم، الوطن نحن، الوطن أنا وأنت وهم ونحن كلنا يدًا واحدة وعلى قلب رجل واحد، وتسأل: هل تتسع كلمة واحدة من ثلاثة أحرف لكل هذه المحتويات، وتضيق بنا؟
وهنا يكمن محور موضوعنا، وكيف تربينا على مفهوم أن الوطن تميته الدموع وتحييه الدماء، وأنه –أي الوطن- كما يرى تشرشل «شجرة طيبة لا تنمو إلا في تربة التضحيات وتُسقى بالعرق والدماء»، والسؤال يطرح نفسه، إن متنا جميعًا، أو لنقل استشهدنا جميعًا، فمن سيعيش النصر؟ سيجيب أحدهم: الجيل القادم هو من سيحصد ثمار النصر، ولكن أي جيل قادم هذا؟ إن متنا نحن وبقي الجيل القادم يحيا على فكرة الثأر لآبائهم ولكل قطرة دم اختلطت بتراب وطنهم، ثم كبر ذاك الجيل أيضًا على نهجنا (النصر أو الشهادة)، وبقيت الشهادة الطريق الوحيد برأيه –كما برأينا- لبناء الوطن، وكأن الوطن مصاص دماء، لا يحملنا فوق ترابه، إن لم يضم غالبيتنا تحت أرضه، فما هذا الوطن بالله عليكم؟
ففي وطننا اليوم نصاب بعمى الألوان والأسماء، نحبو بين ركام الجدران نتحسسها فتدمي أصابعنا، إذ لم يعد الطلاء يستر عورتها، وعلى كل جدار تستعيد ذاكرتك صورة شهيد واسمًا لآخر، وصورة معتقل كانت معلّقة في صدر المنزل حتى يتذكره أطفاله الصغار، ثم تصطدم يديك بأشواك لم يسترها الحبر الممزوج بدم الشهداء –كما علمونا-.
نُهجّر من الوطن، ونبقى نعيش على أطلاله، وكلنا أمل بعودة قريبة، حتى يبقى أمل العودة لوطننا هاجسنا الذي نتنفسه مع كل شهيق، ولكن هل فكرنا يومًا بأن الوطن ليس كومة حجارة، وإنما بشر نحيا معهم لنحيي القيم المثلى، دون أن نتقيد بمكان محدد.
ثم نتشرّب مفهوم «حق العودة»، ولكن عودة مع مزيد من الدماء، لتحقيق المبدأ الأول (النصر أو الشهادة)، فلا عودة –كما يزعمون-دون تضحية أبناء الوطن بخيرة شبابهم، لننعم نحن بالوطن، لنعود مرة أخرى، أي وطن نحلم أن ننعم به، إن لم يكن الأحبة والأهل والأصدقاء معنا، ما بالنا نتمسك بحجارة الوطن، ولا نلقي بالًا لأبنائه، نذرف دموعًا على سقوط مدينة، ودمار أخرى، في وقت بات فيه البشر مجرد أرقام يتساقطون الواحد تلو الآخر، وكل ينتظر دوره، بحجة (الشهادة لأجل الوطن) ومع جرعة إضافية من (النصر أو الشهادة).
وأمام مبدأ «النصر أو الشهادة» يخطر ببالنا «نصر الشهادة» و «النصر بالشهادة»، فنصر الشهادة تلك اللحظة التي يستعد فيها الإنسان لتقديم كل ما يملك في سبيل الله، وانتصارًا لمبادئه، مستحضرين كل النصوص التي تحدثنا عن جزاء الشهيد، ومتمسكين بعبارات أُدخلت في ثقافة تربيتنا بأن الشعب الذي يعتبر الشهادة سعادة، شعب منتصر لا محالة، فشهادة أفراد –برأي زارعي هذه الثقافة- تحيي الوطن، فكيف بأمة كاملة تربت على هذا المبدأ؟، أما مبدأ النصر بالشهادة، وهو الذي يحدد سبيل النصر بالموت، والموت فقط، فلا سبيل لعزتنا –كما علّمونا- إلا بانتصار دمنا على سيف عدونا، فأقصى ما يمكن أن يهدد به الطاغية هو قتلنا، وطالما نحن وضعنا الموت وسيلة لنصرنا، فلن نخاف هذا الطاغية، وسننتصر عليه بقتله لنا وبدماء أبنائنا.
نموت كي يحيا الوطن، ولكن يحيا لمن؟ فبرأي أحمد مطر «من بعدنا يبقى التراب والعفن، نحن الوطن! من بعدنا تبقى الدواب والدمن، نحن الوطن!، إن لم يكن بنا كريمًا آمنًا، ولم يكن محترمًا، ولم يكن حرًا، فلا عشنا ولا عاش الوطن».
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :