عنب بلدي – العدد 111 ـ الأحد 6/4/2014
انتهت الانتخابات البلدية التركية ولم يتنفس الصعداء أحد أكثر من السوريين، فاللذين عانوا الطرد والتهجير وحملات الكراهية بعد عزل محمد مرسي في مصر، لم يعد لهم من مكان يلجؤون إليه في هذا العالم الرحب سوى تركيا. البلد الجار، الذي فتح أبوابه للسوريين كضيوف لا لاجئين، كان مهددًا أن يصبح كمصر لو غير الشعب التركي مزاجه كما فعل المصري.
لا يستطيع أحد أن يلوم السوريين على تأييدهم لأردوغان، فالرجل قد أحسن استقبالنا في الوقت الذي يسعى فيه «إخواننا» العرب لطردنا.
مهما قيل عن تدخل تركي في سوريا، ومهما قيل عن استغلال تركي لقضية اللاجئين، ومهما حاولت القنوات الخليجية تهويل قضية التسريبات والفساد، فإن ذلك لن يخصم من رصيد الرجل بغض النظر عن صحة الادعاءات من عدمها.
إن توافرت لدينا القدرة على التحليل في خضم الفوضى العارمة الضاربة في منطقتنا، فإننا نستطيع أن نقول إن ما يجري في سوريا لا يصب في صالح الإسلاميين، في حين أن ما يجري حولها يصب في مصلحتهم.
فأخطاء الكتائب الإسلامية في سوريا وكوارثها وتدخلاتها في حياة الناس الخاصة، وفي النهاية صراعاتها فيما بينها، أفقدتها كثيرًا من مصداقيتها التي كانت تتمتع بها عند الناس. ما حدث في سوريا أزال حالة القداسة التي كانت تحيط بعمل الإسلاميين من قبل، فقد كان الناس يتخيلون أن الإسلاميين حين يأتون سينشرون العدل ويعيدون الأمان ويعمرون البلاد والعباد، فإذا بهم تتمزقهم الأهواء والصراعات، ويسعون لفرض نظام حياتهم على غيرهم، ويلاحقون المخالفين كما يفعل النظام، وأحيانًا بأشكال أسوء.
وحدهم الإسلاميون (تقريبًا) في العالم العربي والإسلامي من يدافع عن السوريين دون شروط، في حين يسعى العلمانيون لإيجاد الذرائع لاتهام السوريين وتبرئة ساحة النظام، تارة بذريعة المقاومة وتارة بذريعة الحداثة، التي دمرها الأسد قبل غيره، وتارة وبكل وضوح «ووقاحة» بذريعة قتال الأسد للإسلاميين ووقف مدهم.
للأسف لا يبدو مما سبق -إضافة إلى هول الكارثة المريع- أن الأجواء تساعد السوريين على القيام بمراجعات فكرية حقيقية، ولا تساعد على تقبل أي نتاج فكري نقدي موزون، وإنما ما يحدث يكرس الذريعة التي تبرر الأخطاء بها عادة ومفادها أن الإسلاميون في سوريا انحرفوا عن الإسلام السمح الذي يمثله -في الحالة هذه- الإسلاميون الذين هم خارج سوريا.
لا شك أن انتصار العدالة والتنمية في تركيا فرصة جيدة للسوريين في صراعهم المرير الطويل ضد نظام الأسد، ولا شك كذلك أن طول بقائنا في تركيا سيساهم في تقبل المراجعات الفكرية والنقدية التي أجراها الإسلاميون هناك حتى استطاعوا خلق التناغم بين أنفسهم والعالم، فرب ضارة نافعة.