أول القرارات: لا فصائل جديدة
زمام إدلب بيد “تحرير الشام”.. هل تنجح بـ “إدراتها”؟
عنب بلدي – إدلب
أمسكت “هيئة تحرير الشام” بزمام الأمور العسكرية والإدارية لمحافظة إدلب بعد أيام من مواجهات عسكرية ضد حركة “أحرار الشام الإسلامية”، التي انسحبت معظم قواتها إلى سهل الغاب بريف حماة الغربي.
وغدت “الهيئة” صاحبة القرار في المنطقة لتبدأ أولى خطواتها بقرار يمنع تشكيل أي فصيل عسكري جديد في الشمال السوري، وذلك لـ “الحفاظ على الساحة من التشرذم”، بحسب بيانٍ صادرٍ عنها.
لم تتضح معالم “القيادة العامة” لمحافظة إدلب المعلن عنها من قبل “تحرير الشام” إداريًا وعسكريًا، ولم تعط “الهيئة” أي تفاصيل عن إدارتها المتوقعة، سواء من حيث التقسيمات الإدارية، أو الخطط التي من المفترض أن تسير عليها في مدن المحافظة بشكل عام.
ولا يقتصر “الغموض” على القيادة، بل على وضع إدلب بشكل كامل، وذلك بالتزامن مع تكهّنات حول مساعٍ لتدخل دولي من قبل ثلاث قوى إقليمية (تركيا، روسيا، أمريكا)، تقابلها “تطمينات” من بعض الجهات أكدت أن المرحلة المقبلة ستشهد “تغيرًا في الموقف الفكري والعسكري لتحرير الشام”، وذلك لإبعاد “هاجس الإرهاب” عنها، والذي صنفها على القائمة السوداء لكبرى دول العالم.
لا فصائل جديدة
وتضمّن قرار “تحرير الشام” الأول بعد الهيمنة على مفاصل المحافظة منع أي مجموعة من تشكيل فصيل تحت أي مسمى.
وفي بيان صدر عنها في 28 تموز الجاري، ووجهته إلى قادة الفصائل العسكرية في الشمال، قالت إن “أي فرد أو مجموعة تنشق عن أي فصيل في الساحة، بما فيها هيئة تحرير الشام، تخرج دون سلاح”.
ووقّع على البيان المسؤول العام في “تحرير الشام”، هاشم الشيخ (أبو جابر)، الذي غابت رؤيته بشكل كامل عن “الاقتتال” الأخير بين الطرفين، وحلّت مكانها أحاديث عن تحييده ومنعه من اتخاذ القرارات، وسط الانقسام الداخلي الذي يعيشه الفصيل.
هل تسمح تركيا بإدارة ذاتية بيد الهيئة؟
يقول محللون إن “تحرير الشام” تُحاول فرض نفسها كقوة سياسية عسكرية تدير “جيب إدلب”، وظهر ذلك من خلال تسليم المعبر لإدارة مدنية، بعد خروج “أحرار الشام” منه، والذي افتتح بكافة حركاته التجارية والمدنية والإغاثية بعد أسبوع من المواجهات.
ونشرت صورةٌ لوالي المعبر التركي مع مدير المعبر ساجد أبو فراس، في مدينة سرمدا، الأسبوع الماضي، ما فُسّر أنها رسالةٌ من الجانب التركي حول ما تريده أنقرة في الأيام المقبلة.
وكانت “الهيئة” رفضت النزول إلى مبادرة لـ “مشايخ أهل العلم” لإنهاء الاقتتال، مطالبةً بـ “إدارة ذاتية” في المحافظة تجمع كل الفصائل فيها.
ولم تعلّق أنقرة رسميًا على الاقتتال، رغم ترويج فصائل “الجيش الحر” لتدخل محتملٍ من قوات “درع الفرات” القادمة من شمال حلب، لتصنيف “تحرير الشام” جماعة “إرهابية” في تركيا.
كما رصدت عنب بلدي تغيرًا في الرواية الرسمية التركية عبر منصاتها الإعلامية كموقع “TRT”، الذي أدرج هيئة “تحرير الشام” ضمن “فصائل المعارضة التي تقاتل نظام بشار الأسد”.
هل بقيت “الهيئة” وحدها؟
وماتزال عشرات الفصائل السورية تنتشر في المنطقة، فإلى جانب “أحرار الشام” توجد فصائل تنضوي في “الجيش الحر”، كـ “فيلق الشام”، و”نور الدين الزنكي” المنشق عن الهيئة، و”صقور الشام”، و”جيش العزة”، و”جيش إدلب الحر”، و”جيش النصر”، والفرق الساحلية، عدا عن عددٍ من الفصائل الصغيرة.
ولم تعلّق هذه الفصائل على قرار الهيئة بمنع التشكيلات الجديدة.
وفي ذات السياق، طرح القائد العام لألوية “صقور الشام”، أحمد الشيخ (أبو عيسى) مبادرة لحل الخلافات معها. وقال في سلسلة تغريدات عبر “تويتر”، “حرصًا منا على حقن الدماء، ووحدة الصف نعلن استعدادنا للجلوس مع الهيئة، ومناقشتها للوصول إلى حل يرضي الله نقدم فيه مصلحة شعبنا على مصلحة فصائلنا”.
وأضاف “أكدنا مرارًا أننا لم نخرق الاتفاق الذي أبرم بين الحركة والهيئة، ومازلنا ملتزمين به”.
وشهدت المنطقة عددًا من المظاهرات تحت عنوان “الثورة مستمرة”، أبرزها في مدينة الأتارب بريف حلب الغربي، وهو ما انعكس في بيانٍ أصدرته “تحرير الشام” قال إنها تتبنّى فكر الثورة السورية، وتسعى لتحقيق أهدافها.
“أحرار الشام” تبرّر تراجعها
وبعد فرض شروط “الهيئة” على “أحرار الشام”، وظهور الأخيرة ككيان “هشٍّ” سياسيًا وعسكريًا، كثرت التساؤلات عن الأسباب التي أدت إلى تراجع الأخيرة بفارق زمني سريع.
وقال القائد العسكري لـ “الحركة”، عمر خطاب إن “الحركة كانت وماتزال تسعى لحلّ مشاكل وأزمات الساحة عن طريق الحوار والاستماع لصوت العقل”.
وأضاف، في حديث إلى عنب بلدي، “لذلك ما فكرنا بخيار القوة العسكرية في المناطق المحررة إطلاقًا، لعلمنا أن هذا الأمر لا يخدم إلا النظام المجرم وحلفاءه”.
وأوضح أن السبب الأهم للتراجع هو “أننا زرعنا بداخل أبناء حركة أحرار الشام فكر الاعتدال الذي لا إفراط ولا تفريط، كما أن الحركة لم تعلم أبناءها الحقد، وأن وجودها مرتهن بالقضاء على غيرها”.
واعتبر القائد العسكري أن “الحركة علّمت أبناءها أن السلاح الذي نحمله ليس لبغي ولا اعتداء على أحد”، موضحًا “لا يوجد بداخلها من يفتي بقتل المجاهدين واستحلال دم الثوار ومن ورائهم المدنيين”.
وقال خطاب “لا شك أن المرحلة الحالية صعبة وحرجة، إلا أنها تعرضت لمواقف عديدة ظن البعض قد انتهت كاستشهاد قادة الصف الأول وعدد من قادة الصف الثاني، وانشقاق جيش الأحرار، لكن عادت أقوى من السابق”.
ما مصير إدلب في المرحلة المقبلة؟
وعن التطورات التي ستشهدها محافظة إدلب في الأيام المقبلة، خاصة بالتزامن مع ترويج لعمل عسكري دولي على المنطقة، اعتبر القيادي خطاب أنه “إن لم يتدارك الأمر الجميع بدون استثناء، نخشى أن تكون إدلب على طريق الرقة والموصل”.
وأشار إلى أنه “مازال هناك متسع من الوقت، وفي الساحة خير كثير على الرغم مما حدث”.
في حين عرض القيادي في “الجيش الحر” والعامل في غرفة عمليات “درع الفرات”، مصطفى سيجري، ما قال إنه “المخطط الدولي” المرسوم لمحافظة إدلب في الأيام المقبلة.
وقال سيجري عبر حسابه في “تويتر”، 24 تموز، “بعد خمسة أشهر من الآن سوف يعلن عن برنامج التسليح والتدريب (USA) لقتال تنظيم القاعدة في سوريا، على غرار برنامج البنتاغون، وعمليات التحالف الدولي في الحرب ضد داعش”.
وأضاف أن اللاعبين الأساسيين والقوى الفاعلة هي كل من: أمريكا، روسيا، تركيا، إيران، موضحًا أن “لكل قوى خطة (أ) و(ب) والبعض عنده خطة (ج)”.
وأوضح القيادي، الذي يشغل مدير المكتب السياسي لـ “لواء المعتصم”، أن روسيا تعمل على استعادة إدلب للنظام حسب الخطة (أ)، وفي حالة عجزت عن الأمر تساند مشروع تركيا، لكن بشروط حسب الخطة (ب) وتمنع التمدد الكردي”.
وأضاف أن “مشروع تركيا والذي يتقاطع بشكل كامل مع مشروع الثورة والشعب، يهدف إلى الحفاظ على مدينة إدلب بيد أهلها والجيش الحر فقط حسب الخطة (أ)”.
أما “في حال عجزت تركيا عن تمكين أهالي إدلب وجيشها الحر من إدارة المنطقة بسبب استمرار جرائم الجولاني وبدعم ممن يقف خلفه، فالانتقال للخطة (ب)”.
واعتبر أن “المشترك الوحيد بين روسيا وتركيا هو الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وقطع الطريق على الانفصاليين الكرد، كما أن كلاهما يرفض السياسة الأمريكية في دعمها الكامل للكرد”.
أما عن المخطط الأمريكي، قال سيجري إن “أمريكا تهدف إلى تمكين قوات سوريا الديمقراطية من المنطقة الشرقية، تمهيدًا للسيطرة اللاحقة على كامل المناطق الحدودية”.
وأضاف أن “الخطة (أ) عند الأمريكيين هي دعم قسد (قوات سوريا الديمقراطية) لدخول إدلب، وهذا ما ترفضه تركيا وتعتبره تهديدًا لأمنها القومي ويتعارض مع مشروع روسيا وطموحها، ومن الممكن أن تقبل روسيا بالمشروع الأمريكي في حال لم تصل مع تركيا لأي تفاهم حول إدلب”.
وبحسب وجهة نظر القيادي فإن “نجاح الخطة (أ) عند الأمريكيين يتوقف على رفض الفصائل الثورية من أبناء إدلب للبرنامج القادم بعد خمسة أشهر، فإن وافقوا تم قطع الطريق على قسد”.
وفي حال عجز الأمريكيون عن تنفيذ الخطة (أ) ينتقلون إلى الخطة (ب)، إذ لديهم خياران، إما دعم تشكيل عسكري عربي سني، وإما عقد صفقة أكبر مع الروس، وفق سيجري.
ماذا يقول سكان إدلب؟عائشة دباغ (خريجة حقوق) لن يختلف مستقبل إدلب بسيطرة “الهيئة”، فهي وجدت سابقًا وحاليًا، وتستخدم الدول كلمة “إرهاب” كشماعة لتبرير تصرفاتها الإرهابية من قصف وقتل وتدمير، بغض النظر عن مستقبل المدينة. ووجود قوة واحدة في الشمال السوري أفضل بكثير من وجود عدد كبير من الفصائل المتنازعة بشكل مستمر دون أي جدوى سوى الاقتتال الداخلي المستمر. خليل السمح (ناشط إعلامي) ما يجري مخطط دولي شاركت فيه دول عظمى، والدليل على ذلك هو عدم تدخل تركيا وعدم اكتراثها لتوسع نفوذ “الهيئة” وسيطرتها على كامل الشريط الحدودي ومعبر باب الهوى المتاخم لتركيا. أما السيناريوهات المتوقعة لمستقبل إدلب، فهناك عدة أمور مطروحة، ومن الممكن أن تكون كالموصل، رغم أنني لا أرجح هذا الأمر فهو فقط لتخويف سكان المنطقة. أتوقع ظهور فصيل في إدلب بمساندة تركيا يتولى مهمة قتال “الهيئة”، وذلك كخطوة لاستغلال الخلاف الذي تعيشه داخليًا. أبو المجد الحموي (ناشط إعلامي) لا يمكننا الحديث عن سيطرة “الهيئة” على مدينة إدلب بعد، فما هو معلوم أنها ماتزال تحت وصاية “جيش الفتح” المكون من عدة فصائل، وماتزال موجودة على الأرض. في حال سيطرة “تحرير الشام” على إدلب فعليًا فلن يكون حالها أفضل حال من الرقة، فهي خرجت من عباءة “القاعدة”. ومن الطبيعي أن نشهد تراجعًا لسقف الحرية الشخصية والإعلامية الثورية والفكرية، إضافةً إلى صبغ الساحة باللون الأسود ذي الطابع الإقصائي لمخالفيه. أما إذا استلمت إدلب “إدارة مدنية” كما وعدت “تحرير الشام” فأتوقع أن يكون الحال أفضل. |
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :