داحس والغبراء الخليجية
إبراهيم العلوش
تفاقم الخلاف الخليجي الأخير، حتى وصل إلى طرد السعودية لأغنام وجِمَال قطر من مراعيها، ويأتي ذلك في انسجام تام مع سيرة داحس والغبراء، والحفاظ على أحقادها وعلى ديمومتها، فقد استمرت تلك الحرب الجاهلية أربعين سنة بسبب سباق بين فرسين.
ولن يكون من الوارد انتهاء الخلاف بين ليلة وأخرى، ولا بين سنة وأخرى، فقد يكون هذا الخلاف هو انتقالًا للخلاف السوري العراقي الذي استمر نصف قرن، أو للخلاف المغربي الجزائري الذي لا يعرف المؤرخون نهاية ولا بداية له، وقد تفوّق على داحس والغبراء بمراحل من الكراهية والقطيعة. وهذه الخلافات تكاد أن تكون نقاط علام لمخططي السياسيات الدولية في المنطقة العربية الراضخة بخنوع لأقدارها العشوائية.
لم يشمل الخلاف الخليجي فقط الجِمَال والأغنام، بل الكثير من فصائل المعارضة السورية، وبدأت تتشاتم فيما بينها تنفيذًا لمهمة الكورس، وينطبق ذلك على أداء الكثير من الصحف والصفحات، والمواقع الإلكترونية السورية المعارضة المرتبطة بقطر أو الإمارات أو السعودية.
كان النظام السوري رائدًا في الأداء المأجور، وسبق المرتزقة في بعض أطياف المعارضة بأشواط، ففي البداية تحول الإعلام السوري، ورجالات النظام إلى كورس إيراني يمجد ثورة الخميني وتقدميتها، وعلمانيتها، وانضباط إرهابييها، وانسجام أدائهم، وتحوّل كثير من الكتاب والشعراء السوريين إلى مندوبي مبيعات للبضاعة الإيرانية المصنعة من ألبان وأجبان ولاية الفقيه، ولن يعوزنا ذكر قائمة بالأسماء، التي وصلت إلى ضم أدونيس صاحب النياشين الأدبية والدولية ومرشح النظام إلى جائزة نوبل. وتشكلت كتائب للشبيحة تجاهر بتبعيتها لإيران، وراحت تدرب عناصرها في طهران وتتبارك بقبر الخميني، ولعل ميليشيات الدفاع الوطني كانت من أهم المنتجات الإيرانية العلنية في سوريا.
وكان للدخول الروسي كورسه، ومشايخه، وتابعوه، الذين غيروا أسماء أبنائهم وألقابهم، وتنكروا لعرَق الريان لصالح الفودكا، ورفعوا صور بشار الأسد متجاورة مع صورة بوتين، وصاروا يتكلمون الروسية قبل أن يشرعوا بتعلمها، وصارت أخبار قناة روسيا اليوم تصارع أخبار قناة المنار، وقناة العالم الإيرانية، حتى أن أحد الشعراء المتقاعدين منح اسمه الشخصي لبوتين نفسه، وأصر على ذلك المنح رغم أن نظرة الازدراء البوتينية لا تفارق نظرة الروس للنظام ولرئيسه الذي ينادونه بلقب ذيل الكلب، ناهيك عن نظرة التعجرف والاتهام بالإرهاب لكل الشعب السوري.
في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي نشأت طبقة من بعض الشباب السوريين المرافقين للسواح الخليجيين يصطحبونهم إلى الكباريهات، ويسافرون معهم بسياراتهم الفخمة، ويرافقونهم في الفنادق والمطاعم، ويتولون إرشاد السياح عن أماكن السهر، والفنادق، ويدلونهم إلى البيوت التي فيها فتيات جميلات للزواج العابر، أو حتى للدعارة، والكثير من هؤلاء الشباب لا يأخذون أجورًا على هذه الخدمات، وإنما يكتفي بالاستمتاع، والسهر، والسفر الفاره، على حساب الزائر الخليجي، أو حتى الزائر السوري المقيم في الخليج، والذي لا يعرف طرق السهر والبسط، وقد تفاقم فتح الكباريهات، والمطاعم، وبيوت الدعارة التي تتصيد هؤلاء السياح، الذين ينثرون المال البترولي طوال السهرات والليالي الحمراء.
اليوم وبكل أسف، صارت قطاعات من السياسيين والمثقفين لدى النظام، ولدى الكثير من قطاعات المعارضة، تقوم بذلك الدور، وترشد المتدخلين الخارجيين إلى مواطن القوة والضعف، وإلى القطاعات المحتاجة، أو المستعدة للتنازل، أو للاستزلام، ومثل الكثير من قبضايات الكباريهات، صارت الشتائم المقذعة تسمع منهم، والاتهامات البشعة شاعت بين هذه القطاعات والطبقات الجديدة من التابعين، والتي تفوقت على جيل المرتزقة القدامى، الذي كان يقوم بدور الإرشاد السياحي والقوادة العائلية، وصارت الطبقات الجديدة ترهن كل شيء بيد المحتل السياسي والعسكري، وتوزع عليه المقالات والدراسات، والمندوبين في المؤتمرات، وأعضاء العشائر، والمناطق، والأحزاب السياسية والدينية المعتدلة وغير المعتدلة، ليصل الأمر إلى توزيع القواعد العسكرية، اعتبارًا من قاعدة حميميم الروسية، والست زينب الإيرانية، وصولًا إلى القواعد الأمريكية، والتركية في الشمال السوري.
ومن الطرائف التراجيدية لهذا الواقع الجديد، أن إحدى منظمات حزب البي كي كي القادم من تركيا بحماية القوات الغربية، أعلنت مؤخرًا أنها وقّعت آخر بروتوكول لها مع الأمريكيين، منحتهم فيه مطار الطبقة العسكري، ولا أحد يعرف شروط المنح، ولا مدته، ولا فوائده، ولا مدى قانونية هذا المنح، الذي تقوم به قوات كردية قادمة من تركيا، وقادتها موجودون في جبال قنديل، أو في ديار بكر، أو غيرها من المناطق التركية، أو المهاجر الأوروبية التي تحتوي سياسيي هذا الحزب.
كل العالم، وكل القوى تتحالف مع هذه القوى الخارجية أو تلك، ضمن شروط ومصالح متبادلة، ولكن التبعية والاستزلام لتلك القوى يفقد التحالف معنى الاحترام، ويفتح البلاد أمام الاحتلالات الأجنبية، التي باشرها النظام مع إيران وروسيا، واستكملها تجار الحروب في بعض قطاعات المعارضة، وتحولوا بالعلاقات مع الدول والقوى الإقليمية والدولية من تبادل للمصالح، إلى قوادة تشبه أو تتفوق على دور أولئك القوادين الصغار، الذين كانوا يرافقون السياح، ويكسبون سيخ كباب أو ليلة حمراء، وقد عبّر أحد السياسيين العراقيين عن هذه الحالة، وانعكاسها على الحياة السياسية العراقية بعد توقف الحروب فيه، بأن أي اجتماع بين العراقيين لنقاش أي مشكلة أو حالة، تعرف تفاصيله الدول والأطراف الخارجية قبل أن يصدر أي قرار، أو توجه، فمعظم الحاضرين هم مندوبون للدول الأخرى، وليسوا ممثلين للشعب أو للمصالح الوطنية.
والسؤال اليوم هو كيف نحفظ احترامنا لذاتنا ولبلادنا، ونحن نتبادل المصالح مع الآخرين، وكيف نستطيع أن نتبادل نحن السوريين صحن كبسة مع جيراننا الذين ضيّفونا بقلاوة، دون أن يعني ذلك أننا عملاء للسعودية، وهم عملاء للأتراك؟
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :