تعا تفرج
بص وشوف يا أحمد فؤاد نجم
خطيب بدلة
حينما قال الأسد الوسطاني، بشار، في سنة 2011، إن السوريين ليسوا مؤهلين للديمقراطية، قالها وهو على ثقة مما يقول، لأن والدَه، الأسدَ الأكبر، كانت له تجربتان ديمقراطيتان ناجحتان، الأولى تتعلق بانتخابات مجلس الشعب التي تُجْرى في مواعيدها، وضمن الأصول المتعارف عليها عالميًا. فوزارة الداخلية تزود المراكز الانتخابية بصناديق مختومة بالشمع الأحمر، وغرف سرية في داخلها أوراقٌ وأقلام، وثمة “لجنة فَرْز” يتوضأ أعضاؤها على الطريقة الشافعية ويحلفون أن يحفظوا سير العملية الانتخابية بكل شرف وأمانة، ومع ذلك، فقد كان ينجح إما الأشخاصُ الذين يوافق حافظ، شخصيًا، على نجاحهم، أو الأشخاص الذين يؤكدُ له رؤساءُ شعب مخابراته أنهم: على كيف كيفَك يا سيادة القائد، ووالله، وبشرفنا الحزبي والعسكري، إذا واحد من الناجحين سعل، أو ضرط، فاعلم أنه لا يمكن أن يسعل أو يضرط إلا بالاتفاق معنا، وبما يخدم مسيرة البناء والتحرير، والصمود، وشوارب الشباب.
التجربة الثانية كانت تتزامن مع التجربة الأولى، مع أنها أكثر أهمية منها، ألا وهي صناعة كرسي الرئاسة، وتقويته، وتهيئته للوريث القادم، فالسوريون بمختلف مستوياتهم يعرفون أن المركز الانتخابي الخاص بالاستفتاء الرئاسي لا يختلف من حيثُ المكونات والتجهيزات عن المركز الخاص بانتخابات مجلس الشعب سوى في موضوع “الدَبُّوس”، ذلك أن اتحاد شبيبة الثورة، ابتكر، في إحدى الجولات الاستفتائية، فكرةً قادرة على أن (تصرع الثور بالزور، وتخلي العِجْل يبعبع)، تتلخص في إصدار أمر من قيادة الشبيبة العليا، إلى كافة الفروع والشعب والوحدات الشبيبية الدنيا، يقضي بأن يذهب الرفاق الشبيبيون إلى المراكز الاستفتائية جماعات وفرادى، وأن يستفتوا علنًا، خارج الغرفة السرية، وبدلًا من كتابة “موافق” ضمن الدائرة الخضراء بالقلم، يمسكُ الرفيق الشبيبي الدبوسَ، ويغرز به إبهامَ يده اليمنى، ويبصم، بالدم، ضمن الدائرة الخضراء، شرط الامتناع عن استخدام كلمة “انتخاب” في أدبيات المنظمة، ووضع كلمة “بَيْعة” مكانها.
هذا الأمر أوقع الشاعرَ العربي الكبير أحمد فؤاد نجم في بلبال غريب، فقد “رمته المقادير” إلى دمشق ذات سنة، وإذا به يشهد ما يسمى عرس الديمقراطية المتعلق بـ “تجديد البيعة” للأسد الأب، ومن جملة اللافتات التي قرأها اثنتان، واحدة معلقة في مدخل مدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة، وفيها عبارة: الصم البكم يقولون “نعم” لباني سوريا الحديثة! فتساءل: دُوْلْ بقى بيقولوها ازَّاي؟ والثانية كُتِبَتْ عليها عبارة: نبايعُك بالدم.. إدارة نقل الدم! ولكون شاعرنا غرًا في مجال الديمقراطية الأسدية فقد ظن أن هذه المبايعة تَجري بأن يفتحَ موظفو البنك أكياس الدم المتوفرة من زمرة آ سلبي، وبي إيجابي، وزيرو، ويبايعوا بها، باعتباره لم يسمع بحكاية الدبوس.
وعلى كل حال: لقد مات أحمد فؤاد نجم، مات ولم ير الشعب السوري وهو يضحي بنصف مليون إنسان من أجل الديمقراطية، ولم يبلغه أن شخصًا غبيًا متخلفًا حصل على بخاخ أسود، وراح يكتب على الحيطان: الديمقراطية كفر!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :