لم يكن مصطفى صادق الرافعي رغم كل ما اختلج قلبه من حب للوطن وحس ثوري عند كتابته لقصيدته المشهورة، والتي أصبحت نشيدًا وطنيًا للجمهورية العربية التونسية، لم يكن يتخيل أن مفهوم التضحية لتحرير الوطن قد يصل إلى مستوى ملاحم البطولة والفداء التي يسطرها الشعب السوري في معركته مع جلاديه.
راهن النظام وكل مؤيديه في الداخل والخارج أن هذا الحجم الغير مسبوق من الدموية والهجمات البربرية، ستكون كفيلة ببث مشاعر الخوف والرعب في قلوب الثائرين وردعهم وثنيهم عن الحرية والكرامة التي خرجوا مطالبين بها منذ خمسة عشر شهراً .
من أجل ذلك قدمت له روسيا والصين بموقفهما المؤيد، والمجتمع الدولي والعربي بسكوته ومواقفه الخجولة التي لم ترقى لأكثر من الشجب والتنديد، قدموا له المهلة تلو الأخرى للقضاء على الثورة .
لكن الشعب السوري وبعد كل المجازر والفظاعات التي كانت ومازالت ترتكب بحقه وآخرها مجزرة الحولة، مازال يثبِت أنه العنوان الأوضح والأقوى للتحدي والبطولة، وأنه لن يتراجع أبداً ولن يتنازل عن الحرية التي ينشدها.
أطفال الحولة الذين أصبحوا مشاعل الحرية وبراءتهم التي ذُبحت بسكاكين الغدر الطائفية ألهبوا مشاعر الثورة على الظلم في الكثير من القلوب التي طالما لبست ثوب الحياد واتخذت من الصمت موقفًا لها. ولكنّ المجزرة المروعة استنهضت الهمم على امتداد الوطن . فتجار الشام الذين طالما انتظرنا انضمامهم إلى صفوف الثورة، عكسوا مشاعر غضبهم مما جرى في الحولة، فانضموا إلى الشعب السوري الحر وأغلقوا كل أسواق دمشق وريفها .
مشاهد التضامن والتكافل بين مختلف أطياف المجتمع السوري في هذه الشدائد تعطي زخمًا كبيرًا لثورتنا، ثورة الكرامة. وسوف تكون هذه المشاهد هي الضامن الأقوى للاستمرار في هذه المعركة. ولعل المشهد الغائب عن ساحة الحراك هو وجود قيادة سياسية عسكرية موحدة للمعارضة السورية، والذي إن تحقق فسيكون العنوان الجديد للمرحلة القادمة، وسوف يكون حصان طروادة الذي سيقود شعبنا البطل إلى جادة النصر قريبًا بإذن الله.