أهالي الرقة يروون أسباب بقائهم في المدينة رغم المعارك

  • 2017/07/23
  • 1:20 م

مدنيون هاربون من المعارك في في محافظة الرقة (رويترز) مدنيون هاربون من المعارك في في محافظة الرقة (رويترز)

 

برهان عثمان – أورفة

رغم احتدام المعارك بين “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وتنظيم “الدولة الإسلامية” في الرقة، مازال المئات من الأهالي يقطنون داخل المدينة، رافضين الخروج رغم خطر الموت في ظل اشتداد القصف.

آخر المشاهد التي تُبرز بقاء البعض داخل الرقة، ظهر في تسجيلٍ مصورٍ تناقله ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الأيام القليلة الماضية.

يُظهر التسجيل عجوزًا مضرجًا بدمائه، وقيل إنه التُقط في حي رميلة داخل الرقة، الذي تسللت عناصر من “قسد” إليه حديثًا، ويرد فيه العجوز أحمد زينو على سؤال “ليش ما طلعتوا” متسائلًا “وين بدنا نروح؟”.

شاع خبر إعدام زينو ميدانيًا عقب انتهاء التصوير، الذي انتهى بعبارة على لسان عنصر من “قسد” وقال، “تروح عالجنة تشوف الحور العين”، بينما يتحدث بعض الأهالي ممن بقي في الرقة لعنب بلدي، عن صعوباتٍ يعانونها داخل حدود المدينة المشتعلة.

ماذا يفعلون في المدينة؟

سيلٌ من التساؤلات جاءت على لسان البعض، أبرزها “لماذا يلقون بأنفسهم إلى الهلاك مخاطرين بحياتهم ويصرون على البقاء؟”.

حكايات كثيرة يروي بعضها الأهالي، عن مدنيين رفضوا حمل السلاح والخروج من مدينتهم، يقولون إنهم “تحملوا فوضى الفصائل وجنون تنظيم (الدولة الإسلامية)، إضافة إلى جور طيران (التحالف)”.

مازال أبو مؤيد (50 عامًا) يعيش في الرقة إلى اليوم، ويُعلل لعنب بلدي بقاءه بالمحبة الكبيرة لشوارعها، “أنا مثل السمك إن ابتعدت عن الفرات أموت، وكل ما أريده هو البقاء داخل منزلي”.

الآلاف من الأهالي يعيشون في الرقة حاليًا، رغم القصف والمعارك، ويقول الرجل الخمسيني إن الأمان شرط نسبي، “الموت بيد الله وحده أما التمسك بالأرض والوطن فهو واجب وليس خيارًا”.

يصف نفسه بالعجوز، ويشير إلى أنه لا يريد سوى مترين من الأرض المجاورة لمنزله، يضم ترابها جثمانه حين يموت، ويؤكد “لن أبتعد عن الرقة وسأٌدفن قرب زوجتي التي توفيت قبل سنوات، متسائلًا “لمن أتركها؟ من سيسقي أشجار الحي إذا رحل الجميع؟”.

لا إحصاء حقيقي لأعداد المدنيين في الرقة، إلا أن الثابت هو بقاء مئات العوائل الذين يجهلون مصيرهم خلال الأيام المقبلة، في ظل “الستار الإعلامي الحديدي” الذي تفرضه “قسد” في المناطق التي تسيطر عليها، وفق ناشطين.

 وثّقت تسجيلاتٌ مصورة استهداف الرقة بالفوسفور الأبيض ومقتل عشرات الأشخاص، ويقول “التحالف” إنه “اتخذ التدابير الضرورية للحد من خطر الإصابة غير المتعمدة للمدنيين”، كما تُتهم “قسد” بعمليات تصفية وتهجير نفذتها في المنطقة.

خوفٌ من الغربة

بشاعة المشاهد المسربة من الرقة، والخوفُ من مصير مشابه، لم تمنع أبو عبد الله من البقاء في المدينة حتى اليوم، وكما يقول لعنب بلدي فإن “غربة الروح أشد وطأة على النفس من الجروح والقصف والدمار وحتى من الموت والسجن والتعذيب”.

الشاب الأربعيني يصف ما يجري في الرقة بأنه “خراب كبير”، ويؤكد أنه “ينتظر تقاسم إعادة إعماره من قبل تجار الحرب”، معتبرًا أن ما يحدث “يكشف زيف وادعاء جميع الأطراف التي تريد تهجير الأهالي وتدمير المدينة ولا تهتم بمصير المدنيين، وتظهر عكس ذلك”.

“من ترك داره قل مقداره”

رغم انعدام الخدمات الصحية وشح المواد الغذائية، وتدهور جميع نواحي الحياة في المدينة، إلا أن ذلك لم يكن مسوغًا لرحيل كثيرين، ومنهم أم محمد (63 عامًا)، التي ماتزال تعيش مع جارتها في الرقة، بعد رحيل معظم أفراد عائلتها، فهي تعتبر أن “من ترك داره قل مقداره”.

تقول المرأة الستينية، التي نزحت من دير الزور، واستقرت في الرقة قبل خمس سنوات، إن ارتباطها والأهالي بمنازلهم يأتي في إطار “حراسة المدينة من الطامعين”، مضيفةً لعنب بلدي، “هي أمانة يجب الحفاظ عليها، وسبب بقائي هنا لا يمكن شرحه أو إخضاعه لقوانين الحياة والعقل والمنطق”.

مشاعرُ يصعب تفسيرها لا ترتبط بعمر أو جنس، يرويها أهالي المدينة، الذين يعتبرون أنفسهم جزءًا من فسيفساء الحرب السورية وحكاياتها، مؤكدين بإصرار أنهم ليسوا أفضل من زينو “الذي قضى على يد جلاديه، وختم قصة عشقه لمدينته ببذل حياته مهرًا ممزوجًا بالدم”.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا