عنب بلدي – حسن مطلق
فنانٌ بالفطرة يستقي لوحاته من الطبيعة، وتُحيل مهارته أحجارًا قاسية إلى لوحاتٍ فنية، تدفع الناظر إليها لإبداء إعجابه، والثناء على رجلٍ لم يمنعه كبر عمره وسنواتُ اعتقاله من المضي في طريق الفن.
حمود محمد الحسن، أو “أبو مهنا” كما يُلقبه جيرانه في قرية معرتحرمة جنوبي إدلب، يُشكّل لوحاته من الرخام الملون “موزاييك” ناحتًا جمال الطبيعة، بعيدًا عن رسم الطيور والأشخاص، “كي لا يقع في الشبهة في محرّمة من قبل كثيرين”، كما يقول لعنب بلدي.
الرجل، الذي أمضى 14 عامًا من حياته، معتقلًا داخل سجن تدمر بتهمة الانتماء لجماعة “الإخوان المسلمين”، خلال أحداث حماة 1982، يصف نفسه بأنه “بيتوتي”، فهو لا يحب الابتعاد عن منزله، وعن لوحاته “غير المألوفة والتي لا تشبه إحداها الأخرى”.
درس أبو مهنا المرحلة الابتدائية وانتقل إلى المدرسة الزراعية، اكتسب خلال تلك المرحلة معلوماتٍ أتاحت له امتهان التدريس لعامين، ثم عمل بعدها رئيسًا لمركز الأعلاف في مدينة خان شيخون، إلى أن اعتُقل لدى محاولته الفرار عبر الحدود الأردنية إلى خارج سوريا.
منذ أن كان صغيرًا رسم الرجل عشرات اللوحاتٍ على الأوراق والخشب، إلى أن توسعت مداركه وعرف قيمة الفن والرسم، وفق تعبيره، ويؤكد أنه “لا يُكرر ما يرسمه ولا يجتزئه من مناظر يراها بل ينسجها من خياله”.
يقول حمود إن “فاقد الشيء لا يعطيه”، فهو صاحب جرحٍ قديم، متحدثًا عن مشاركته في الثورة والتي لم تجد حيزًا في لوحاته، “خططت في وقت سابق أن أرسم شيئًا، يمثل فئة أو شخصية ثورية، لكنني تراجعت كي لا أندم في يوم ما”.
ويقتني أبو مهنا في منزله رسوماتٍ صنعها قبل 25 عامًا، كما لم يمنعه اعتقاله من متابعة فنه، “عملت خطاطًا ورسامًا في السجن رغم كل التعذيب، في سبيل الحصول على بعض الميزات”.
ولّد الاعتقال لدى النحّات ملَكةً داخلية، فأصبح يُعبّر من خلال لوحاته، “كما يعبر الأبكم مجازيًا باعتباره لا يستطيع الحديث”، كما يقول.
لا عيب في استخدام الفن للمنفعة المادية، كما يرى المعتقل الفنان، ويقول إنه شارك في معارض قبل الثورة سعى من خلالها لإشهار نفسه، “شاركت بمعرضين في أريحا وخان شيخون عام 2009، ولكني لم أستطع المشاركة بعد الثورة رغم أني حاولت”.
إلى جانب لوحاته، يُخطط أبو مهنا شواهد القبور، ويسعد “كثيرًا” حين ينجزها، “إنها تخليدٌ لذكرى المتوفى”.
أول عملٍ أتمّه أبو مهنا بعد خروجه من سجن تدمر، كان عام 2001، وباع حوالي 170 لوحة خلال سنوات عمله، بمبالغ يصفها بـ”الزهيدة”.
ويأمل الرجل الستيني اليوم، أن يلتقي من يتبنى ويُقدّر عمله ومشاريعه، “أحلم بتنظيم معرضٍ للوحاتي مستقبلًا، وربما أسعد بتعليم فني لبعض الموهوبين، فهذا مكسب ويُخلّد ذكراي بعد موتي”.