مفتاح الشمال السوري بيد “تحرير الشام”

  • 2017/07/23
  • 12:15 م

 عنب بلدي – خاص

دخلت محافظة إدلب مرحلة جديدة بعد أيام من اقتتال قطبيها “هيئة تحرير الشام” وحركة “أحرار الشام”، انتهى باتفاقٍ فرضت من خلاله “الهيئة” شروطها على “الحركة” التي ظهرت ككيان “هشٍّ” سياسيًا وعسكريًا.

وأظهر الاتفاق، الذي تضمّن وقف إطلاق النار وانسحاب “الأحرار” من معبر باب الهوى لتسليمه لـ “إدارة مدنية” وإطلاق سراح المحتجزين، أن الاقتتال لم يكن بسبب “نكث اتفاق تل طوقان”، بل بهدف السيطرة على “باب الهوى”، والذي شهد المواجهات العسكرية الأعنف، لتضمّه “تحرير الشام” لسيطرتها إداريًا وعسكريًا، على الرغم من تأكيدها تسليمه لـ “إدارة مدنية” تتولى أموره.

يعتبر معبر “باب الهوى” رئة محافظة إدلب الوحيدة، وعبره تجري الحركة التجارية وتدخل المساعدات الغذائية والإنسانية.

واستمرت المواجهات ثلاثة أيام، بدءًا من الأربعاء 19 تموز وحتى الجمعة 21 الشهر ذاته، تبادل الطرفان السيطرة على عدة مناطق في اليوم الأول، لترجح الكفة العسكرية في اليومين الثاني والثالث لصالح “تحرير الشام”، دون ورود أي إحصائية دقيقة عن قتلى الطرفين.

وعقب الاتفاق قال الناطق الرسمي باسم “أحرار الشام”، محمد أبو زيد، “يا أبناء أحرار الشام وحراسها كونوا على يقين أن الحركة لن تتوقف عن المسيرة التي خرجت لأجلها يومًا وستستمر بعون الله”.

وأضاف “بناؤكم صامد لن ولم يهدم بإذن الله، أنتم الحركة، أنتم المشروع، وأنتم الأمل، فليكن كل منكم الحركة بذاته، وشمروا عن سواعدكم فبانتظارنا تحديات أكبر وأهداف أسمى”.

إلا أن عدة مجموعات منضوية في “الحركة” أعلنت عقب “الاقتتال” الانشقاق عنها، أو التزام الحياد، كما حصل في مدينة الرامي بريف إدلب، الأمر الذي عزاه البعض إلى غياب الميثاق الواضح للفصيل، إلى جانب التردّد والتخبّط باتخاذ القرارات، التي تبدّلت في الأشهر الماضية، وكان آخرها تبنّي راية الثورة السورية، والقانون العربي الموحد قضائيًا.

“الهيئة” تنقسم بين “المحيسني” و”الجولاني”

وفي سياق المواجهات العسكرية تكشفت ملامح انقسام “الهيئة” داخليًا، وذلك حيال تدخلٍ تركيٍ محتملٍ وقتال “الأحرار”.

وقال الداعية السعودي عبد الله المحيسني، عضو الهيئة الشرعية في “تحرير الشام”، إنه لم يُصدر فتوى تجيز قتال الحركة، وإنه لا يبيح للشباب المسلم هذا القتال بل يحرّمه، في وقتٍ شهدت المحافظة اقتتالًا واسعًا في أبرز مفاصلها الحيوية.

لكنّ مسؤول العلاقات الإعلامية، عماد الدين مجاهد، رد بالقول “للهيئة صفحاتها الرسمية التي تنشر مواقف قيادتها ومجلس شوراها، وكل ما يتم نشره عبر الصفحات الشخصية، لا يمثل إلا رأي أصحابها وتوجهاتهم”.

وأضاف المحيسني “إنني كمهاجر تركت الأهل والولد وجئت لنصرة أهل الشام، آليت على نفسي ألا أخوض في قتال داخلي إلا بالسعي للإصلاح”.

وبحسب معلومات حصلت عليها عنب بلدي، تعيش الهيئة انقسامًا على خلفية احتمال التدخل التركي في إدلب، بين تيارٍ يريد إنهاء العزلة الدولية، وتيارٍ يريد قتال تركيا والفصائل التي تدعمها كـ “أحرار الشام” و”الجيش الحر”.

ويقود المحيسني التيار المناهض للاقتتال الداخلي إلى جانب الشرعي العام “أبو الحارث المصري”.

بينما يصرّ القائد العسكري العام “أبو محمد الجولاني”، والشرعي عبد الرحمن عطون (أبو عبد الله الشامي)، وقائد قطاع حماة أبو يوسف حلفايا، على موقفهم من التدخل التركي وبقية الفصائل في المحافظة، إلى جانب الشرعيين المصريين الثلاثة “أبو الفتح الفرغلي”، و”أبو اليقظان المصري”، و”أبو شعيب المصري”.

وتؤكد هذه المعلومات مواقف شخصيات التيار الثاني من الاقتتال عبر حساباتهم في مواقع التواصل، بينما اكتفى التيار المناهض للاقتتال بما نشره المحيسني. فيما غاب القائد العام للهيئة، المهندس هاشم الشيخ (أبو جابر) عن التصريح حيال الاقتتال، وهو القادم من حركة “أحرار الشام” إلى التشكيل الجديد.

وينظر تيار الجولاني إلى الفصائل بأنها “مطيّة” للتدخل التركي وتنفّذ أجنداته، بينما تقول الفصائل إنها تريد “مشروعًا وطنيًا جامعًا” يجنّب المحافظة حربًا مقبلة يقودها الروس والتحالف لإنهاء آخر معاقل الثورة.

“الزنكي” من “الهيئة” إلى “وساطة فاشلة”

وأكّد الانقسام الداخلي، ما أعلنت عنه حركة “نور الدين الزنكي” بالانشقاق عن “تحرير الشام” بعد حوالي ستة أشهر من اندماجها، مبررة ذلك بـ “عدم تحكيم الشريعة التي بذلنا مهجنا والغالي والنفيس لتحكيمها، من خلال تجاوز لجنة الفتوى في الهيئة وإصدار بيان عن المجلس الشرعي دون علم أغلب أعضائه”، إضافةً إلى “عدم القبول بالمبادرة التي أطلقها العلماء الأفاضل”.

ونصّت المبادرة التي صدرت عن ثلاثة مشايخ هم “أبو محمد الصادق، عبد الرزاق المهدي، أبو حمزة المصري”، على تفويض ثلاثة أشخاص مخوّلين باتخاذ القرار نيابة عن الفصيل، شرط أن يُرجّح ثلاثة مستقلين آخرين القرارات المتفق عليها بين الطرفين.

كما دعت المبادرة، التي أعلنت “الأحرار” الموافقة عليها واشترطت “الهيئة” “إدارة ذاتية” في إدلب لقبولها، إلى “وضع رؤية ملزمة وشاملة، تراعى من خلالها الحقوق السياسية والعسكرية والمدنية للأطراف جميعًا، خلال سبعة أيام من تاريخ بدئها”.

السبب الثاني للانفصال حددته الحركة بـ “تجاوز مجلس شورى الهيئة وقرار قتال أحرار الشام، علمًا أن تشكيلها بني على أساس عدم البغي على الفصائل”.

وفي اليوم الثالث من “الاقتتال” وبعد حصار “تحرير الشام” لمعبر باب الهوى بشكل كامل، أعلن كل من “الزنكي” و”فيلق الشام” توجه قوات فصل بين طرفي “الاقتتال”، وكخطوة للمبادرة والإصلاح بينهما.

إلا أنه لم تمض ساعات على الإعلان حتى أصدر الجانبان بيانين قالا فيه إنهما سحبا الأرتال دون أي توضيح أو تفاصيل عن أسباب سحبها.

في حين اتهمهم القيادي في “النصرة” سابقًا، صالح الحموي بـ “التقصد في تأخير إرسال الأرتال حتى تتغير الأوضاع الميدانية على الأرض لصالح هيئة تحرير الشام”.

موقف تركي “غامض” ينعكس على “درع الفرات”

خلال أيام الاقتتال الثلاثة، غابت التصريحات التركية بشكل كامل، واقتصرت على الفصائل التي تدعمها أنقرة في ريف حلب الشمالي، أو ما بات يعرف بـ “درع الفرات”، إذ تكررت المعلومات عن نيتهم الدخول إلى جانب “الأحرار”، دون أي تحرّك فعلي على الأرض.

وأوضحت مصادر عسكرية من “الجيش الحر” أن العناصر التي تم نقلها إلى مدينة إدلب من مناطق ريف حلب لا يتجاوز عددهم 200 عنصر معظمهم من حركة “أحرار الشام”.

وأشارت المصادر إلى أنه “في حال دخول العناصر لا يمكن أن يحققوا أي تقدم على حساب الهيئة دون إسناد جوي من الطيران الحربي والمدفعية، وذلك نظرًا للمنطقة التي جرت فيها المواجهات، التي تعد مركزًا أساسيًا لمقاتلي تحرير الشام وهم أدرى بتضاريسها”.

وتدرج أنقرة “جبهة النصرة”، التي غيّرت مسماها ثم انضوت في “تحرير الشام”، على قوائم الإرهاب، في وقتٍ رفضت فيه “الهيئة” أي تدخل تركي وهدّدت بمواجهته.

إدلب تتخوّف وتنتظر التطورات

المستشار القانوني لـ “الجيش الحر”، أسامة أبو زيد، قال لعنب بلدي إن “انهيار حركة أحرار الشام ووصول تحرير الشام لمعبر باب الهوى، سيغلق المعبر بسبب تصنيف تركيا للنصرة”.

وأوضح أبو زيد أن المعبر هو شريان رئيسي لمدّ المعارضة ولدخول المساعدات الإنسانية، وبالتالي فإن سيطرة الهيئة على المنطقة الممتدة من معبر أطمة إلى معبر باب الهوى إلى بابسقا، ستضع تركيا في موقف صعب وتدفعها لإيجاد حلول.

وأكد أنه إذا وصلت “الهيئة” للمعبر فهذا يعتبر عاملًا لتعجيل التدخل التركي.

وحاولت عنب بلدي الوقوف على بنود الاتفاق بين “الهيئة” و”الأحرار” بخصوص “باب الهوى”، إلا أن “الهيئة” لم تعط أي تفاصيل، مكتفيةً بالتأكيد أنه سيسلّم لـ “إدارة مدنية” مستقلة.

وتنتظر محافظة إدلب تطورات الأيام المقبلة، وسط مخاوف من تحولها إلى ساحة جديدة لـ “مكافحة الإرهاب”، بحجة القضاء على جبهة “النصرة” المصنّفة على قوائم الإرهاب الدولية، بالتزامن مع تساؤلات عن موقف “الأحرار” المفاجئ من الاتفاق، الذي اعتُبر “استسلامًا” ورضوخًا لمطالب “تحرير الشام”.

‏وقال مسؤول العلاقات الإعلامية في الجناح السياسي لـ “الحركة”، عمران محمد، في منشور له عبر “فيس بوك” إن “حملة الاعتقالات للأحرار في مناطق سيطرة النصرة لا تذكرني إلا بأواخر أيام فصائل العراق، قبل أن يصير العراق أسودًا ويتجهز للتسليم للروافض”.

وحمّل ناشطون الفصيلين مسؤولية تدخلٍ دولي محتمل في المحافظة، المدرجة على بنود “تخفيف التوتر” بموجب اتفاق أستانة، برعاية تركية- روسية- إيرانية.

وانعكس الغضب في مظاهرات شعبية شهدتها عددٌ من المناطق على غرار سراقب ومعرة النعمان، التي خرجت في أيام “الاقتتال” الأولى.

وشهدت سماء محافظة إدلب ليل السبت 22 تموز، وبعد ساعات من التوقيع على اتفاق إنهاء “الاقتتال” طلعات جوية لطائرات “F16” يعتقد أنها تركية أو تابعة للتحالف، لكنها لم تشنّ أي غارات.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا