عنب بلدي – حنين النقري
“لا أريد جنسية، أرغب فقط بتسهيل رؤيتي لأهلي ولقائي بهم”، يقول محمد، مهندس سوري مقيم في تركيا، ويتابع “وضع السوريين هنا معقّد جدًا، الهوية الممنوحة لنا حماية مؤقتة ولا نعلم متى تُرفع هذه الحماية عنّا، وهي هوية لا تمنحنا حقوقًا تذكر، واجباتنا في تركيا هي واجبات التركي عينها، لكن لا حقوق لنا كبقية اللاجئين السوريين في مناطق أخرى من العالم، وهو ما دفع بآلاف السوريين في تركيا إلى تحمل المخاطر مقابل الوصول لأوروبا”.
ورغم أن تركيا فتحت أبوابها على مدار أربع سنوات للسوريين الهاربين من الحرب، إلا أنهم يعانون عدم استقرارٍ في البلاد وتعقيدًا لناحية فهم وضعهم القانوني، ولعلّ ما يزيد المتابع لحالهم حيرةً، التناقض الصارخ بين تصريحات أردوغان ومسؤولي الحكومة المرحّبة، والوعود كبيرة الحجم، كمنح الجنسية التركية أو توظيف أعداد جديدة منهم، وبين ما يلقاه السوريون من تضييق وتقييد لحركاتهم ومعاملاتهم على أرض الواقع.
دعوة زيارة
بحث محمد عن طريقة لتتمكن والدته فيها من زيارة تركيا ولقائه بعد ثلاثة أعوام من مغادرته سوريا، وكان أمامه حلّان، يقول، “إما عن طريق التهريب من الحدود البرية وهو حل غير مأمون المخاطر، أو التقدم بطلب فيزا، وهو حل غير مضمون النتائج، لكنني رغبت بالمحاولة، وهكذا سألتُ عن خطواتها وكانت البداية في مكتب النوتر (كاتب العدل) لأتقدم بطلب دعوة مع صور من جواز سفر والدتي مع دفع رسوم بسيطة، وعلى غير العادة تمكنت من إخراج هذه الدعوة بزيارة واحدة بسبب تعاون الموظفة”.
بعد إخراج الدعوة، كان على محمد أن يرسلها للقنصلية التركية في لبنان، وهنا بدأت سلسلة التعقيدات، “الكثير من الأوراق مطلوبة في تطبيق القنصلية، بدءًا من ورقة لا حكم عليه لوالدتي وإثباتٍ بقدرتي المالية وكشف حسابٍ بنكي، وليس انتهاءً بصورة عن حجز طيران من لبنان لتركيا باسم والدتي، وحجز الطيران في هذه الحالة هو مجازفة لعدم إمكانية معرفة إن كانت ستنال فيزا للدخول أم لا، ومتى ستحصل على الفيزا في أحسن الأحوال”.
“إذا عشنا“
لم يجد محمّد بدًا من حجز بطاقة طيران حقيقية بتاريخ محدّد، “بما أن دعوة الزيارة لها تاريخ صلاحية أقصاه ثلاثة أشهر من إصدارها، فأنا مجبر على الحجز خلال هذه الفترة الزمنية، وهكذا حجزت بطاقة طيران في شهر أيلول المقبل”.
بعد إتمامه جميع الأوراق المطلوبة في تطبيق الفيزا الإلكتروني، ورفعها بنجاح على موقع القنصلية، كان على محمد اختيار موعد لتقابل والدته فيه السفير، وهنا كانت المفاجأة، يقول “أقرب موعد حدده لي الموقع في شهر أيار 2018، أي بعد عشرة أشهر من الآن، وهو وقت تكون فيه دعوة الزيارة فقدت قيمتها، وكذلك بطاقة الطائرة، قرابة سنة يمكن أن يفقد فيها جواز السفر أيضًا صلاحيته ويحتاج لتجديد (إذا عشنا)”.
اصنع فنجان قهوة أو احجز فيزا إلكترونية
ورغم مدة الانتظار الطويلة، لا يرى محمد المشكلة في تاريخ الموعد، بل في عدم التنسيق، وكثرة التعقيدات على السوريين، يوضّح “يُفترض أن يوجد تنسيق بين القنصلية والنوتر، بحيث أوُجّه هناك للتاريخ الأنسب لاستخراج دعوة زيارة، أو على الأقل، أن أُعطى تنبيهًا على الموقع الإلكتروني بموعد المقابلة التقريبي لأحجز بطاقة طيران على هذا الأساس، العجيب في الموضوع أن إعلان الفيزا الإلكترونية على موقع القنصلية يشير إلى إمكانية طلبها بثلاث دقائق، ربما كان ذلك بالنسبة لحملة الجنسيات الأخرى غير السورية”.
وعود كثيرة
“كلما خرجت تصريحات لسياسيين أتراك من الحكومة بمزيد من التسهيلات للسوريين أقول الله يسترنا”، بهذه العبارة عبّرت المدوّنة ياسمين (29 عامًا) عن تأثير تصريحات السياسيين على وضعها كمقيمة في تركيا، وتضيف “للأسف، تأثير هذه التصريحات سلبيّ في الغالب، النسبة الأكبر ممن أقابلهم من الأتراك يعتقدون أننا نأخذ رواتب من الحكومة، وأننا نأكل ونستأجر بيوتًا على حسابهم”.
وتوضح “لا يمكن تخيّل كم مرة يتكرر عليّ سؤال: هل أعطوك الجنسية التركية لتصوّتي بنعم للتعديل الدستوري؟ وأنا في هذا لا ألومهم بل أوجه اللوم للحكومة، فكثرة الوعود الموجهة للسوريين على الشاشات مقابل الصعوبات المتزايدة التي يواجهها الأتراك في مواضيع عديدة مثل الأمن والبطالة هي المسؤول الأساسي عن مشاعر النفور والرغبة بطرد السوريين، والتي يعبّرون عنها من حين لآخر بهاشتاغات تتصدر مواقع التواصل الاجتماعيّ”.
إحصائيات شفافة
تروي ياسمين ما تطالعه في وسائل التواصل الاجتماعي وما يُنقل في الهاشتاغات الرائجة ضد السوريين، “في الهاشتاغات الداعية لطرد السوريين، كثيرًا ما تُستخدم صور لشباب سوريين يدخنون الأركيلة أو يتنزهون، ورغم أن الشباب في الصورة غالبًا ما يكونون (بحالهم) وفي مشوار عادي مع أصدقاء أو عائلة، إلا أنها تستخدم بُغية البرهنة على الرخاء الذي يعيش فيه السوريون من الأموال التي يدفعها الأتراك للضرائب”.
تشير ياسمين إلى وجوب إصدار تقارير شفافة من قبل الحكومة التركية فيما يتعلق بالسوريين، تشرح فكرتها “لا يعلم الأتراك أننا ننفق في بلدهم كما ينفقون، وعدا السوريين الموجودين في المخيمات فإن بقية السوريين في تركيا يدفعون فواتير وضرائب كالأتراك تمامًا، حتى المنح الجامعية للطلبة السوريين مقدمة في الغالب من الاتحاد الأوروبي، لذا أرى أن توضيح ذلك من قبل جهة مسؤولة، مع إحصائيات دقيقة بما يدفعه السوريون من ضرائب وفواتير خدمات للحكومة، والمساعدات المالية التي تُمنح لتركيا لأجلهم، أمر ضروري لتقليص الفجوة بين الأتراك والسوريين”.
السوريون في تركيا.. أرقام
- عدد اللاجئين السوريين المسجلين في تركيا والخاضعين لقانون الحماية المؤقتة قرابة ثلاثة ملايين سوري حسب المديرية العامة لإدارة الهجرة التركية حتى شباط 2017.
- حسب إدارة الكوارث والطوارئ التركية، تحتضن اسطنبول العدد الأكبر من السوريين بقرابة 484 ألف سوري، لتليها شانلي أورفا بـ 425 ألفًا، وهاتاي بـ 389 ألف سوري.
- عدد اللاجئين السوريين في المخيمات التركية يقدر بقرابة 246 ألف لاجئ، مقابل مليونين و782 ألف سوري يعيشون خارجها، حسب مسؤولين أتراك.
- موّل الاتحاد الأوروبي مشروعًا أطلق عليه “برنامج المساعدة على الانسجام الاجتماعي للأجانب” لمساعدة السوريين خارج المخيمات في تركيا في الربع الأول من عام 2017.
- يُقدم البرنامج بطاقة نقدية بقيمة 100 ليرة تركية (حوالي 30 دولارًا) شهريًا للسوريين المسجّلين فيه، مع الأولوية للأشخاص الأكثر حرمانًا.
- فرضت تركيا تأشيرة دخول على السوريين الراغبين بدخول أراضيها بدءًا من 8 كانون الثاني 2016.