دقائق الثورة الأخيرة
محمد رشدي شربجي
لا يمكن تجميل الواقع، حتى في أسوأ الكوابيس وأكثرها رعبًا لم يكن أحد ليتخيل نهاية بهذا الشكل، أمور الثورة تقترب من خواتيمها، وإذا كانت معركة حلب هي آخر معارك الثورة السورية ضد بشار الأسد، فإن معركتها ضد النصرة (القاعدة) هي آخر معاركها على الإطلاق.
الولايات المتحدة أنهت برنامج دعم وتمويل المعارضة، البرنامج لا قيمة له بحد ذاته ولكنه أضفى شرعية سياسية على الدول الداعمة للمعارضة التي ستحجم عن الدعم مخافة الاتهام بالإرهاب.
فصائل الثورة، أو المحسوبة عليها، تتلاشى تباعًا، وتنظيم القاعدة في بلاد الشام يكمل سيطرته نظريًا وعمليًا على آخر معاقل المعارضة السورية في عموم محافظة إدلب، ثم ماذا بعد؟
باقي السيناريو معروف ولا يحتاج إلى دارس في التاريخ ليدركه، أمريكا ستدعم حزب الاتحاد الديمقراطي للتوجه نحو إدلب من عفرين حتى يصل إلى البحر المتوسط وهو هدف أعلنه الحزب أكثر من مرة. روسيا بالتنسيق مع إيران ستشن حربًا من الشرق والجنوب على بقية المناطق، وتركيا سيكون لها دور صغير ستحصل عليه بعد تقديم تنازلات لروسيا وأمريكا هنا وهناك. قنابل من كل حدب وصوب ستنهمر على إدلب، ثم انتصار على الإرهاب وفيديوهات مصوّرة بدقة من طائرات مسيّرة تظهر الأحياء المدمرة، وباقي أشلاء الشعب السوري.
هل يذكرنا هذا بشيء؟ بالموصل مثلًا؟! هل حدثت معركة الموصل في عهد الديناصورات حتى ينساها مجانين السلفية الجهادية فيكرروا ذات الأخطاء التي أوصلت لها، أم أنها معركة انتهت منذ أسبوعين فقط وصور القهر والدمار ملأت الشاشات؟ ما سر إصرار هؤلاء السفاحين على قتل أي أمل عند المسلمين في مهده؟ ماذا فعلوا بالضبط بالمسلمين من أفغانستان إلى سوريا مرورا بالعراق والجزائر ومالي والشيشان، واليوم يضيفون عليها الفلبين؟
السلفية بشكل عام وخاصة منها الجهادية هي سرطان ينمو في جسد المسلمين السنة حصرًا، وهو جسد مريض بكل الأحوال، ولا علاج شاف له إلا استئصاله في بدايته كما فعلت حركة حماس في قطاع غزة، أما إذا انتشر فكل ما يمكن فعله مع المريض هو علاج تلطيفي يسهّل عليه آلام الموت المحتوم.
ولعل أهم الدروس التي يمكن تعلّمها من مسيرة الربيع العربي المتعثرة بعد سبع سنوات أنه أينما حلت السلفية حل الخراب، وأنهم أداة الأنظمة الضرورية لكسر الثورات من داخلها، فديدنهم المزاودة والمناكفة خاصة ضد أبناء التيار الإسلامي الذين أثبتوا أنهم يسهل ابتزازهم، وما استبشر بهم أحد بخير، أو تحالف معهم إلا أحل قومه دار البوار، وما أنجى تونس وتجربتها إلا أن الإسلاميين هناك ميزوا أنفسهم منذ البداية عن السلفيين وفضلوا تحالفًا مع قوى علمانية ديمقراطية على هؤلاء، وهو الخطأ الكارثي الذي وقع به محمد مرسي فرج الله عنه، الذي افترض بسذاجة أن التحالف مع السلفيين سيكون ضمانته نحو حكم مستقر فإذا به كان ضمانته نحو الهاوية، وما حال سوريا عنا ببعيد.
بعيدًا عن كل ذلك، ما هي خيارات الثورة وهي في دقائقها الأخيرة؟ لا شيء طبعًا، هناك أمل بانتفاضة شعبية داخل مناطق المعارضة في إدلب ضد بغي القاعدة وتفرّدها، أو اتحاد فصائل المعارضة وعدم اتخاذها موقف المتفرج أو تدخل تركي في الوقت الضائع يخرج النصرة ويعيد للمعارضة مكانتها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :