عنب بلدي – خاص
على امتداد الرقعة الجغرافية لمحافظة إدلب، وحول ملفات الكهرباء وضبط الأمن وملاحقة خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية”، تتصارع “هيئة تحرير الشام” و”حركة أحرار الشام”، في سعيٍ من الطرفين لإثبات أحقية كلٍ منهما بإدارة إدلب.
تنتشر “أحرار الشام” بشكل واسع في محافظة إدلب، إلى جانب انتشار مماثل لعناصر “الهيئة”، الذين يعملون شكليًا مع “الأحرار”، ضمن فصيل “جيش الفتح” منذ سيطرته على إدلب نهاية آذار 2015، بينما لم يبقَ منه اليوم، سوى “القوة التنفيذية” التي تعمل اسميًا تحت رايته، في ظل الخلافات بين الفصيلين.
حتى عصر السبت 15 تموز، لم يتفق الطرفان على حلٍ لاعتقالات متبادلة شهدتها عموم المحافظة، رغم انخفاض وتيرة الصدام بينهما، بعد اشتباكات وتوترٍ استمر ساعات، عقب مواجهاتٍ مشابهة جرت في آذار الماضي.
وقال الناطق العسكري باسم “أحرار الشام”، عمر خطاب، في حديثٍ إلى عنب بلدي، إن الأمور “مازالت غير مستقرة وخصوصًا بعد الضرب بعرض الحائط، لاتفاقي مقتل تاجري السلاح في جبل الزاوية، وقرية تل الطوكان (قرب سراقب في ريف إدلب الشرقي)”.
وتعود مشكلة مقتل التاجرين إلى 12 من تموز الجاري، واتهمت “الهيئة” فصيل “صقور الشام” المنحل في الحركة، باغتيال أحمد الممدوح من قرية منطف، وأبو عزيز من قرية كدورة، قرب بلدة سرجة في جبل الزاوية، بينما اتُفق على حل مشكلة تل الطوكان من خلال لجنة شرعية مُتفق عليها.
الطرفان يكيلان الاتهامات
منذ السابع من تموز الجاري وجهت حركة “أحرار الشام الإسلامية” اتهامات لـ”تحرير الشام” بالتحريض والحشد العسكري نحو مناطق “حساسة”، تطل على مقراتها ومواقعها الحيوية في الشمال السوري.
لكن مدير العلاقات الإعلامية في الهيئة، عماد الدين مجاهد، اعتبر أن “تصريحات بعض القياديين في أحرار الشام تندرج ضمن الحرب والهجوم الإعلامي”، مؤكدًا أن “وصف هيئة تحرير الشام بالبغي، لا يمكننا فهمه إلا كونه خطوة استباقية، لمؤامرات يحضّرونها للشمال السوري”.
ورغم أن الطرفين حاولا بدايةً إخفاء التوتر بينهما، إلا أن آثاره ظهرت على الأرض ومنصاتهما الإعلامية، إذ أكدت “أحرار الشام” استمرار حشد “الهيئة” في كل من سراقب وجبل الزاوية وقطاع البادية، مؤكدةً أن “الحركة ستتصدى بكل قوة لأي عمل يستهدف أيًا من قطاعاتها”.
أقرت الحركة بأن الخلاف “لا يسر صديقًا ولا عدوًا”، وأكدت التزامها بقرارات اللجنة الشرعية المشكلة بموافقة الطرفين، لكنها وصفت الأمور بأنها “وصلت إلى حافة الهاوية”، في بيانٍ نشرته السبت.
وتحدث البيان عن “مراهقات ومغامرات شخصية لبعض قادة الهيئة”، داعيًا بلهجة حازمة إلى “اعتزال البغي والأخذ على أيدي المجموعة السفيهة في الهيئة، وإلا فالواجب اعتزال الجماعة”.
“الهيئة” تحصر الأمر بالكهرباء
ردًا على بيان “أحرار الشام” نشرت وكالة “إباء” الناطقة باسم “الهيئة” بيانًا، حصرت فيه التوتر بين الطرفين بمشاكل مع ورشات صيانة كابلات التيار الكهربائي، في محطة “رأس العين” قرب سراقب، مشيرةً إلى أن الحركة “منعت العمال من إصلاح الخط بقوة السلاح وهددتهم بالاعتقال”.
واعتقلت “الهيئة” أحد قياديي “أحرار الشام”، ما دعا الأخيرة للرد بالمثل، الأمر الذي فجر اشتباكاتٍ بين الطرفين، واعترفت “تحرير الشام” بأنها أزالت بعض الحواجز التابعة للحركة “بالقوة”، بعد اتفاق الطرفين نهاية حزيران الماضي، على حل “إسعافي” لملف الكهرباء، الذي يشهد توترًا منذ أسابيع.
مشاداتٌ كلامية جرت بين أنصار الطرفين عبر وسائل التواصل، ما دعا “الهيئة” إلى حظر “الخوض في مسائل التكفير تأصيلًا وتنزيلًا بحق الكيانات” على عناصرها، مؤكدةً أن “الجهة الوحيدة المناط بها النظر في هذه المسائل، تتمثل بلجنة الفتوى بالمجلس الشرعي”، وهددت بمعاقبة المخالفين.
ملف خلايا تنظيم “الدولة”
استفاق أهالي محافظة إدلب في صباح التاسع من تموز، على انتشارٍ واسعٍ لعناصر “تحرير الشام” في المنطقة، مع إطلاقها الحملة الأوسع في إدلب، مستهدفة خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” في الشمال السوري.
وأعلنت “الهيئة” القبض على مسؤول خلايا التنظيم شمال إدلب، أبو إبراهيم العراقي، مع سبعة عناصر كانوا برفقته، إضافة إلى “والي” التنظيم في الشمال، أبو القعقاع الجنوبي، والمسؤول الشرعي، أبو السوداء المصري، وفق مصادر عنب بلدي.
ونتج عن الحملة اعتقال أكثر من 123 أمنيًا للتنظيم، بينهم خمسة قادة بارزين: الأمني العام في إدلب والمسؤول الشرعي في الشمال ومسؤول الهجرة، كما عُثر على آليات معدة للتفجير، وأسلحة كاتمة للصوت وأحزمة وعبوات ناسفة.
وتزامنًا مع الحملة المستمرة ألقت “أحرار الشام الإسلامية” القبض على خلية تتبع للتنظيم في مدينة إدلب، 12 تموز الجاري، بعد مداهمتها منزلًا داخل المدينة.
في إحدى ساحات معبر “باب الهوى” الذي يعتبر بوابة إدلب إلى تركيا، رفع علم الثورة السورية إلى جانب راية “أحرار الشام”، السبت 8 تموز، بعد أن ظهر العلم إلى جانب راية الحركة، في كلمة مصورة لقائدها علي العمر (أبو عمار)، حزيران الماضي.
وقال العمر حينها إن الحركة مستعدة للمشاركة في أي مشروع ثوري، يتركز على ميثاق الشرف الثوري، ووثيقة المبادئ الخمسة التي أقرها “المجلس الإسلامي السوري”.
مراقبون وصفوا الأمر أنه محاولة “إثبات وجود”، وخاصة بعد اعتماد الحركة “القانون العربي الموحد في محاكمها”، الأمر الذي استقال على خلفيته بعض قضاتها، وأبرزهم القاضي الشرعي إبراهيم شاشو.
وكانت الحركة مرّت بسلسلة من التحولات في البنية والخطاب، بعد أن كانت ترفض قبل سنوات، رفع علم الثورة دون راية “لا إله إلا الله”، إلا أنها ومنذ استهداف قادتها عام 2014 في إدلب، غيّرت من سياستها، وبدأت تدريجيًا تظهر في موقع المواجه لـ”جبهة فتح الشام”، التي تشكل حاليًا القسم الأكبر من “الهيئة”.
ويرى محللون أن التوتر يأتي على خلفية صراعٍ على إدارة زمام الأمور في محافظة إدلب، مدللين على ذلك بنهج الحركة الجديد، وترويج “الهيئة” بالمقابل للاهتمام بالأمور الخدمية في المدينة، فضلًا عن مظاهرات ظهر فيها علم الثورة إلى جانب رايتها، دون ردع حامليه كما في السابق.