إدلب – طارق أبو زياد
“يا محلا الطيران كنا نسمع صوتو ونهرب، بس هلأ العبوة ما منعرف إيمتا بتنفجر”، يقول الناشط الإعلامي إبراهيم البراء، واصفًا حال مدينة إدلب، التي شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في حوادث انفجار العبوات داخل الأحياء السكنية والمرافق العامة.
حوادثُ متكررة وصف أهالي إدلب مدينتهم إثرها بـ”حقل الألغام”، بعد أن وُجهت بوصلتها نحو المدنيين، عقب استهدافها مقاتلي الفصائل العسكرية في وقت سابق، متسائلين “من المسؤول عن زرعها، وماذا فعلت القوة التنفيذية التابعة لـ(جيش الفتح) حيال الأمر؟”.
ويصف الناشط الإعلامي وضع المدينة، “صرنا نمشي ونتوقع أي شي رح ينفجر.. الحجر والشجر وحاوية الزبالة”، مشيرًا إلى أن شوارع المدينة وأسواقها “أصبحت شبه فارغة وهذا يُسهل زرع العبوات لذلك من الأفضل البقاء في المنزل”.
“القوة التنفيذية”: ثلاث جهات وراء التفجيرات
عنب بلدي توجهت بالسؤال إلى مسؤول “القوة التنفيذية” في “جيش الفتح”، أبو الحارث شنتوت، وقال إنها “تحركت بشكل مستعجل وزادت التشديد الأمني في المدينة خلال الأيام الماضية”.
وتحدث مسؤول “القوة” عن الخطوات والتدابير التي نفذتها حديثًا، معتبرًا أن “المناطق المحررة التي تسيطر عليها المعارضة، مستهدفة من ثلاثة أعداء رئيسيين يفوقونها بالعتاد والتخطيط والسلاح، وهم: داعش، قوات الأسد، المخبرون التابعون لجهات معينة كقوات سوريا الديمقراطية (قسد)”.
واعتبر أبو الحارث أن الهدف من العبوات “إيصال رسائل للعالم أجمع وللمجتمع الدولي، مفادها أن قوات المعارضة غير قادرة على إدارة مناطقها أمنيًا”.
“جيش الفتح” حصل على معلومات حول منفذي التفجيرات، وفق المسؤول، الذي أكد “وصلنا إلى معطيات واستطعنا إلقاء القبض على بعض الأشخاص الذين يجري التحقيق معهم”، مردفًا “سننشر بيانًا يتضمن أسماءهم وتفصيلًا كاملًا فور الانتهاء”.
ينتشر عناصر من “القوة التنفيذية” في أنحاء مدينة إدلب، وفق مسؤولها، لافتًا “يخبروننا بكل شيء إلى جانب تعاون المدنيين معنا وإبلاغنا بأي طارئ”، مشيرًا إلى أن “القوة التنفيذية” فككت خلال الأسبوع الماضي أربع عبوات وفجرت ثلاث.
اتهامات بالتقصير تطال “القوة التنفيذية”
وجّه أبو الحارث رسالة لأهالي مدينة إدلب، داعيًا إلى التعاون لكشف أي أمر مريب بالاتصال على رقم الهاتف الأرضي 250000. |
ليست “قوة جيش الفتح” الوحيدة التي تعمل على تفكيك العبوات، إذ شهدت الأيام الماضية تدخلًا من عناصر “الدفاع المدني” في إدلب، الذين فككوا عددًا منها، في حين اعتبر بعض الأهالي أن “القوة لا تقوم بعملها على أكمل وجه”.
محمد الشيخ علي يعمل على شاحنة لتوزيع الوقود في مدينة إدلب، قال لعنب بلدي إن “القوة التنفيذية لا تنفذ عملها بشكل كامل، وهناك تقصير في بعض الجوانب”.
بحسب محمد، فإن الحواجز المحيطة بالمدينة، “من المفترض أن تُفتش السيارات التي تدخل إدلب، إلا أنها تسمح لكثيرٍ منها بالدخول دون تدقيق”، وأشار إلى أنه “من الضروري نشر حواجز متنقلة بشكل مكثف، تجعل من يفكر في زعزعة الأمر يفكر ألف مرة قبل أن ينفذ فعلته”.
بدوره دعا الشاب النازح من مدينة حماة، علاء الحموي، إلى تكثيف العمل لحماية المدينة، معتبرًا أن “الفصائل لديها قوات كبيرة يمكنها أن تمنع النملة من الدخول إلى إدلب لو أرادت”.
“مهما كان سبب التقصير فهو غير مقبول”، يقول علاء لعنب بلدي، مردفًا “من المؤسف أن يستطيع الأسد ضبط مناطقه أكثر من المعارضة، رغم أن الأهالي هنا يسهمون في كشف أي خرق قدر الإمكان”.
الاتهامات بالتقصير رد عليها أبو الحارث، بأنها تعود إلى “قلة الكوادر والإمكانيات، وتعزيز الفصائلية داخل جيش الفتح (مكوناه الأساسيان حركة أحرار الشام وهيئة تحرير الشام)، أثر سلبًا على سير عمل القوة التنفيذية”، مردفًا “لكننا نعمل بكل جهدنا”.
تزامن انتشار العبوات مع حملة بدأتها “هيئة تحرير الشام” في عشر مناطق: إدلب، النيرب، سرمين، الدانا، سلقين، حارم، إسقاط، بسنيا، قورقانيا، حتّان، في 9 تموز الجاري.
وأعلنت “الهيئة” القبض على مسؤولين وأمنيين يتبعون لتنظيم “الدولة الإسلامية”، وآليات معدة للتفجير، إضافة إلى أسلحة كاتمة للصوت وأحزمة وعبوات ناسفة، بينما علمت عنب بلدي من مصادر متطابقة، أن بعض العناصر المعتقلين من “القوقاز” وآخرين مهاجرين من جنسياتٍ أخرى.
ووفق “أبو الحارث” فإن الحملة أسفرت عن اعتقال 25 شخصًا يتبعون للنظام السوري، “ينفذون عمليات تفجير ويرسلون الإحداثيات”، كما اعتقلت مجموعتان تتبعان لـ”جيش الثوار”.
قلة من المدنيين في إدلب تبنوا نظرية مسؤولية “حزب الله” اللبناني عن التفجيرات، التي نقلتها وسائل إعلام روسية نهاية العام الماضي، وذكرت أن “الحزب” يستهدف أمن المحافظة “لتجنب عمليات عسكرية واسعة فيها”.
ورأى المهندس المعماري عادل علوش، من أهالي ريف إدلب الجنوبي، أن التفجيرات الأخيرة تختلف عن سابقتها بأنها تستهدف المدنيين، متوقعًا أن تكون خلايا تابعة لـ”حزب الله” و”الحرس الثوري” الإيراني مسؤولة عنها.
تُشكّل العبوات الناسفة هاجسًا يؤرق أمن الأهالي في إدلب حتى اليوم، ويأمل كثيرون ممن استطلعت عنب بلدي آراءهم، أن “تتخلص مدينتهم من كافة أشكال الموت”، بعد توقف الطيران والقصف منذ مطلع أيار الماضي.